للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَعْلَمُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ عَلِمَ فَيكون جَوَاب الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ لَهُ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ الْآيَةَ، وَجَاءَ بِالْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى مَا فِي كَلَامِ هَذَا النَّبِيءِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ علمه فِي قَبْلُ وَتَجَدَّدَ علمه إِيَّاه. وقرأه حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ

اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ لَكِنَّهُ تُرِكَ عَطْفُهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ كَالنَّتِيجَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ الْآيَة.

[٢٦٠]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٦٠]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)

مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ [الْبَقَرَة: ٢٥٩] ، فَهُوَ مِثَالٌ ثَالِثٌ لِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَقَرَة: ٢٥٧] الْآيَةَ وَمِثَالٌ ثَانٍ لِقَضِيَّةِ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ فَالتَّقْدِيرُ: أَوْ هُوَ كَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي إِلَخ. فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لِفَرْطِ مَحَبَّتِهِ الْوُصُولَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْمُعَايَنَةِ فِي دَلِيلِ الْبَعْثِ رَامَ الِانْتِقَالَ مِنَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ الْبُرْهَانِيِّ، إِلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُرِيَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى بِالْمَحْسُوسِ.

وَانْتَصَبَ كَيْفَ هُنَا عَلَى الْحَالِ مُجَرَّدَةً عَنِ الِاسْتِفْهَامِ، كَانْتِصَابِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [آل عمرَان: ٦] .

وَقَوْلُهُ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ الْوَاوُ فِيهِ وَاوُ الْحَالِ، وَالْهَمْزَةُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَامِلُ الْحَالِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَرِنِي وَالتَّقْدِيرُ: أَأُرِيكَ فِي حَالِ أَنَّكَ لَمْ تُؤْمِنْ، وَهُوَ تَقْرِيرٌ مَجَازِيٌّ مُرَادٌ بِهِ لَفْتُ عَقْلِهِ إِلَى دَفْعِ هَوَاجِسِ الشَّكِّ، فَقَوْلُهُ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي كَلَامٌ صَدَرَ عَنِ اخْتِبَارِهِ يَقِينَهُ وَإِلْفَائِهِ سَالِمًا مِنَ الشَّكِّ.