للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة هود (١١) : آيَة ١١٥]

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [هود: ١٠٩] الْآيَاتِ، لِأَنَّهَا سِيقَتْ مَسَاقَ التَّثْبِيتِ مِنْ جَرَّاءِ تَأْخِيرِ عِقَابِ الَّذِينَ كَذَّبُوا.

وَمُنَاسَبَةُ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَمُخَالِفَةٍ لِهَوَى كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَكُونَ الصَّبْرُ عَلَى الْجَمِيعِ كُلٌّ بِمَا يُنَاسِبُهُ.

وَتَوْجِيهُ الْخطاب إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْوِيهٌ بِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ وَأُمَّتُهُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ:

فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ وَالتَّفْرِيعِ الْمُقْتَضِي جَمْعَهُمَا أَنَّ الصَّبْرَ مِنْ حَسَنَاتِ الْمُحْسِنِينَ وَإِلَّا لَمَّا كَانَ لِلتَّفْرِيعِ مَوْقِعٌ. وَحَرْفُ التَّأْكِيدِ مَجْلُوبٌ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ.

وَسُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا لِوُقُوعِهِ جَزَاءً عَلَى الْأَعْمَالِ وَمَوْعُودًا بِهِ فَأشبه الْأجر.

[١١٦]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ١١٦]

فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)

هَذَا قَوِيُّ الِاتِّصَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ [هود: ١٠٢] فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا دَعَا إِلَيْهِ الِانْتِقَالُ الِاسْتِطْرَادِيُّ فِي مَعَانٍ مُتَمَاسِكَةٍ.

وَالْمَعْنَى فَهَلَّا كَانَ فِي تِلْكَ الْأُمَمِ أَصْحَابُ بَقِيَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَنَهَوْا قَوْمَهُمْ عَنِ الْفَسَادِ لَمَّا حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ. وَذَلِكَ إِرْشَادٌ إِلَى وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ