وَلِهَذَا الِاعْتِبَارِ قُدِّمَ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى بَقِيَّةِ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ وَجُعِلَ مُوَالِيًا لِلْإِيمَانِ فَقَدْ حَصَلَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِوَصْفَيْنِ.
وَتَقْدِيمُ فِي صَلاتِهِمْ عَلَى خاشِعُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالصَّلَاةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ لَهُمْ تَعَلُّقًا شَدِيدًا بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ شَأْنَ الْإِضَافَةِ أَنْ تُفِيدَ شِدَّةَ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ. فَلَوْ قِيلَ: الَّذِينَ إِذَا صَلَّوْا خَشَعُوا، فَاتَ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَيْضًا لَمْ يَتَأَتَّ وَصْفُهُمْ بِكَوْنِهِمْ خَاشِعِينَ إِلَّا بِوَاسِطَةِ كَلِمَةٍ أُخْرَى نَحْوَ: كَانُوا خَاشِعِينَ. وَإِلَّا يَفُتْ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِنْ ثَبَاتِ الْخُشُوعِ لَهُمْ وَدَوَامِهِ، أَيْ كَوْنُ الْخُشُوعِ خُلُقًا لَهُمْ بِخِلَافِ نَحْوِ: الَّذِينَ خَشَعُوا، فَحَصَلَ الْإِيجَازُ، وَلَمْ يفت الإعجاز.
[٣]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٣]
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣)
الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ النَّحْوِ:
إِلَى الْمَلِكِ القرم وَابْن الْهمام ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحِمِ
وَتَكْرِيرُ الصِّفَاتِ تَقْوِيَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.
وَالْقَوْلُ فِي تَرْكِيبِ جُمْلَةِ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ كَالْقَوْلِ فِي هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢] ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ عَنِ اللَّغْوِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ.
وَإِعَادَةُ اسْمُ الْمَوْصُولِ دُونَ اكْتِفَاءٍ بِعَطْفِ صِلَةٍ عَلَى صِلَةٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ مُوجِبَةٌ لِلْفَلَاحِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ لَا يُفْلِحُونَ حَتَّى يَجْمَعُوا بَيْنَ مَضَامِينِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَلِمَا فِي الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ مِنْ زِيَادَةِ تَقْرِيرٍ لِلْخَبَرِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ.
وَاللَّغْوُ: الْكَلَامُ الْبَاطِلُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ فِي الْبَقَرَةِ [٢٢٥] ، وَقَوْلِهِ: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً فِي سُورَةِ مَرْيَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute