للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) مِنْ مَكَانٍ لَا يَتَرَقَّبُونَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْهُ ضُرٌّ. فَمَعْنَى مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بَغْتَةً لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ، لِأَنَّهُمْ لِبَأْسِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ لَا يَبْغَتُهُمْ مَا يَحْذَرُونَهُ إِذْ قَدْ أَعَدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَكَانَ الْآتِي مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ عَذَابًا غَيْرَ مَعْهُودٍ. فَوَقَعَ قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ كِنَايَةً عَنْ عَذَابٍ لَا يُطِيقُونَ دَفْعَهُ بِحَسَبِ اللُّزُومِ الْعُرْفِيِّ، وَإِلَّا فَقَدَ جَاءَ الْعَذَابُ عَادًا مِنْ مَكَانٍ يَشْعُرُونَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا [سُورَة الْأَحْقَاف: ٢٤] . وَحَلَّ بِقَوْمِ نُوحٍ عَذَابُ الطُّوفَانِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَكَذَلِكَ عَذَابُ الْغَرَقِ لفرعون وَقَومه.

[٤٦، ٤٧]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : الْآيَات ٤٦ إِلَى ٤٧]

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)

الْأَخْذُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِهْلَاكِ قَالَ تَعَالَى: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً [سُورَة الحاقة: ١٠] .

وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٤] .

وَالتَّقَلُّبُ: السَّعْي فِي شؤون الْحَيَاةِ مِنْ مُتَاجَرَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَسَفَرٍ وَمُحَادَثَةٍ وَمُزَاحَمَةٍ.

وَأَصْلُهُ: الْحَرَكَةُ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وَالْمَعْنَى: أَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ شَاعِرُونَ بِمَجِيءِ الْعَذَابِ.

وَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ [سُورَة النَّحْل:

٤٥] . وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [سُورَة الْأَعْرَاف: ٩٨] .

وَتَفْرِيعُ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ اعْتِرَاضٌ، أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ تَقَلُّبُهُمْ شَيْءٌ إِذْ لَا يُعْجِزُهُ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَاوُنُهُمْ.

وفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، أَيِ الْمُلَابَسَةِ، وَهِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يَأْخُذَهُمْ.