وَلَعَلَّ هَذَا مُوَجَّهٌ إِلَى أَهْلِ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ إِذْ أَصْبَحُوا آمِنِينَ عِنْدَ مَلِكٍ عَادِلٍ فِي بَلَدٍ يَجِدُونَ فِيهِ رِزْقًا حَلَالًا وَهُوَ مَا يُضَافُونَ بِهِ وَمَا يكتسبونه بِكَدِّهِمْ، أَيْ إِذَا عَلِمْتُمْ حَالَ الْقَرْيَةِ الْمُمَثَّلِ بِهَا أَوِ الْمُعَرَّضِ بِهَا فَاشْكُرُوا اللَّهَ الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ مِثْلِ مَا أَصَابَ الْقَرْيَةَ، فَاشْكُرُوا اللَّهَ وَلَا تَكْفُرُوهُ كَمَا كَفَرَ بِنِعْمَتِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ. فَقَوله: وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي الْمَثَلِ: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [سُورَة النَّحْل: ١١٢] إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ.
وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ لِلْبَعْثِ عَلَى الِامْتِثَالِ لِإِظْهَارِ صِدْقِ إِيمَانِهِمْ.
وَإِظْهَارِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْله: وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْإِضْمَارُ لِزِيَادَةِ التَّذْكِيرِ، وَلِتَكُونَ جُمْلَةُ هَذَا الْأَمْرِ مُسْتَقِلَّةً بِدَلَالَتِهَا بِحَيْثُ تَصِحُّ أَنْ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ.
وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ (وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ) وَهُوَ قَوْلٌ بَعِيدٌ.
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَكُلُوا لِلِامْتِنَانِ. وَإِدْخَالِ حَرْفِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ مُقَدِّمَةٌ لِلْأَمْرِ بِالشُّكْرِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّفْرِيعِ. وَالْمَقْصُودُ: فَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ وَلَا تَكْفُرُوهَا فَيَحِلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ مَثَلًا.
وَالْحَلَالُ: الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا. وَالطَّيِّبُ: مَا يَطِيبُ لِلنَّاسِ طَعْمُهُ وينفعهم قوته.
[١١٥]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١١٥]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [سُورَة النَّحْل:
١١٤] لِتَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الْخَبِيثِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ هِيَ خَبَائِثُ خُبْثًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute