(٤١)
أَمْ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ ثَالِثٌ إِلَى إِبْطَالِ مُسْتَنَدٍ آخَرَ مَفْرُوضٍ لَهُمْ فِي سَنَدِ قَوْلِهِمْ: إِنَّا نُعْطَى مِثْلَ مَا يُعْطَى الْمُسْلِمُونَ أَوْ خَيْرًا مِمَّا يُعْطَوْنَهُ، وَهُوَ أَنْ يُفْرَضَ أَنَّ أَصْنَامَهُمْ تَنْصُرُهُمْ
وَتَجْعَلُ لَهُمْ حَظًّا مِنْ جَزَاءِ الْخَيْرِ فِي الْآخِرَةِ.
وَالْمَعْنَى: بَلْ أَثْبَتَتْ لَهُمْ، أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَنَفْعِهِمْ شُرَكَاءَ، أَيْ شُرَكَاءَ لَنَا فِي الْإِلَهِيَّةِ فِي زَعْمِهِمْ، فَحُذِفَ مُتَعَلَّقُ شُرَكاءُ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ فَصَارَ شُرَكَاءُ بِمَنْزِلَةِ اللَّقَبِ، أَيْ أَمْ آلِهَتُهُمْ لَهُمْ فَلْيَأْتُوا بِهِمْ لِيَنْفَعُوهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالْلَّامُ فِي لَهُمْ لَامُ الْأَجْلِ، أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِتَقْدِيرٍ مُضَافٍ، أَيْ لِأَجْلِ نَصْرِهِمْ، فَالْلَّامُ كَالْلَّامِ فِي قَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ «لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ» .
وَتَنْكِيرُ شُرَكاءُ فِي حَيِّزِ الْاسْتِفْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْإِنْكَارِ يُفِيدُ انْتِفَاءَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنَ الشُّرَكَاءِ، أَيِ الْأَصْنَامِ لَهُمْ، أَيْ لِنَفْعِهِمْ فَيَعُمُّ أَصْنَامَ جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الْمُشْتَرَكِ فِي عِبَادَتِهَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَالْمَخْصُوصَةَ بِبَعْضِ الْقَبَائِلِ.
وَقَدْ نُقِلَ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ لِمُنَاسَبَةِ وُقُوعِهِ بَعْدَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ [الْقَلَم: ٤٠] ، لِأَنَّ أَخَصَّ النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ أَحَقِّيَّةِ هَذَا الْإِبْطَالِ هُوَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ تَوْجِيهَ هَذَا الْإِبْطَالِ إِلَيْهِمْ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ.
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ تَفْرِيعٌ عَلَى نَفْيِ أَنْ تَنْفَعَهُمْ آلِهَتُهُمْ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ أَمْرَ فَلْيَأْتُوا أَمْرُ تَعْجِيزٍ.
وَإِضَافَةُ شُرَكاءُ إِلَى ضَمِيرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ لِإِبْطَالِ صِفَةِ الشِّرْكَةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُمْ، أَيْ لَيْسُوا شُرَكَاءَ فِي الْإِلَهِيَّةِ إِلَّا عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْإِلَهِيَّةَ الْحَقِّ لَا تَكُونُ نِسْبِيَّةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَرِيقٍ أَوْ قَبِيلَةٍ.
وَمِثْلُ هَذَا الْإِطْلَاقِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ [الْأَعْرَاف: ١٩٥] .
[٤٢- ٤٣]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : الْآيَات ٤٢ إِلَى ٤٣]
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ