وَاللَّعْنَةُ: الْبُعْدُ وَالطَّرْدُ، أَيْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ هِيَ جَهَنَّمُ. وَتَقْدِيمُ (لَهُمْ) فِي هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بالانتقام مِنْهُم.
[٥٣- ٥٤]
[سُورَة غَافِر (٤٠) : الْآيَات ٥٣ إِلَى ٥٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤)
هَذَا مِنْ أَوْضَحِ مَثَلِ نَصْرِ اللَّهِ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَمْثَالِ بِالنَّصْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤمنِينَ فَإِنَّ نَصْرَ مُوسَى عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ كَوَّنَ اللَّهُ بِهِ أُمَّةً عَظِيمَةً لَمْ تَكُنْ يُؤْبَهُ بِهَا وَأُوتِيَتْ شَرِيعَةً عَظِيمَةً وَمُلْكًا عَظِيمًا، وَكَذَلِكَ كَانَ نَصْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْمَلَ وَأَشْرَفَ.
فَجُمْلَةُ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غَافِر:
٥١] وَبَيْنَ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [غَافِر: ٥٥] ، وَأَيُّ نَصْرٍ أَعْظَمُ مِنَ الْخَلَاصِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالتَّبَعِ لِأُمَّةٍ أُخْرَى فِي أَحْكَامٍ تُلَائِمُ أَحْوَالَ الْأُمَّةِ التَّابِعَةِ، إِلَى مَصِيرِ الْأُمَّةِ مَالِكَةِ أَمْرِ نَفْسِهَا ذَاتِ شَرِيعَةٍ مُلَائِمَةٍ لِأَحْوَالِهَا وَمَصَالِحِهَا وَسِيَادَةٍ عَلَى أُمَمٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ وَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى الْوَعْدِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي كَذَّبَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ بَاقٍ مَوْرُوثٌ فِي الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَالْهُدَى الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى هُوَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ، أَيِ الرِّسَالَةِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ، أَيِ التَّوْرَاةِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَثَهُ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ جَعَلَهُ بَاقِيًا فِيهِمْ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُمْ وَرِثُوهُ عَنْ مُوسَى، أَيْ أَخَذُوهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَأَبْقَاهُ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِطْلَاقُ الْإِيرَاثِ اسْتِعَارَةٌ. وَفِي ذَلِكَ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ جُمْلَةِ الْهُدَى الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [الْمَائِدَة: ٤٤] ، فَفِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَالْكِتَابَ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ، فَإِنَّ مُوسَى أُوتِيَ مِنَ الْهُدَى مَا لَمْ يَرِثْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَأُوتِيَ مِنَ الْهُدَى مَا أُورِثَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي فِي التَّوْرَاةِ.
وهُدىً وذِكْرى حَالَانِ مِنَ الْكِتابَ، أَيْ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَذِكْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute