للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: فَكَيْفَ يَصْرِفُكُمْ صَارِفٌ عَن توحيده بعد مَا عَلِمْتُمْ مِنَ الدَّلَائِلِ الْآنِفَةِ.

وَالْمُضَارِعُ هَنَا مُرَادٌ مِنْهُ زَمَنُ الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ تَفْرِيعِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الدَّلَائِلِ.

[٧]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٧]

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.

أَتْبَعَ إِنْكَارَ انْصِرَافِهِمْ عَنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ عَلَى ثُبُوتِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، بِأَنْ أُعْلِمُوا بِأَنَّ كُفْرَهُمْ إِنْ أَصَرُّوا عَلَيْهِ لَا يَضُرُّ اللَّهَ وَإِنَّمَا يَضُرُّ أَنْفُسَهُمْ. وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ لِلْكَافِرِينَ وَمُقَابَلَتِهِ بِالتَّرْغِيبِ وَالْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ النَّتِيجَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ إِثْبَاتِ تَوْحِيدِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ.

فَجُمْلَةُ إِنْ تَكْفُرُوا مُبَيِّنَةٌ لِإِنْكَارِ انْصِرَافِهِمْ عَنِ التَّوْحِيدِ، أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ هَذَا الزَّمَنِ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ. وَمَعْنَاهُ: غَنِيٌّ عَنْ إِقْرَارِكُمْ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، أَيْ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ لَهُ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِ طَلَبِ التَّوْحِيدِ مِنْهُمْ لِنَفْعِهِمْ وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُمْ لَا لِنَفْعِ اللَّهِ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِهَذَا لِيُقْبِلُوا عَلَى النَّظَرِ مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ. وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً فِي تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْخَطَأِ مِنْ فِعْلِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ لِقَصْدِ الِاحْتِرَاسِ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتَرِثُ بِكُفْرِهِمْ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ فَيَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ وَالشُّكْرَ سَوَاءٌ عِنْدَهُ، لِيَتَأَكَّدَ بِذَلِكَ مَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْخَبَرِ فِي تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْخَطَأِ. وَبِهَذَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لِعِبادِهِ الْعِبَادُ الَّذِينَ وُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ، وَذَلِكَ جَرْيٌ عَلَى أَصْلِ اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ لَفْظَ الْعِبَادِ، كَقَوْلِه: وَيَوْم نحشرهم

وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١) [الْفرْقَان:

١٧] . الْآيَةَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ فِي لَفْظِ الْعِبَادِ الْمُضَافِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ضَمِيرِهِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى خُصُوصِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ، وَقَرِينَةُ السِّيَاقِ ظَاهِرَةٌ هُنَا ظُهُورًا دُونَ ظُهُورِهَا فِي قَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ [الْفرْقَان: ١٧] .

وَالرِّضَى حَقِيقَتُهُ: حَالَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَعْقُبُ حُصُولَ مُلَائِمٍ مَعَ ابْتِهَاجٍ بِهِ، وَهُوَ عَلَى


(١) فِي المطبوعة: (وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا فَيَقُول) وَهَذَا خطأ.