للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّحْقِيقِ فِيهِ مَعْنًى لَيْسَ فِي مَعْنَى الْإِرَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِحْسَانِ وَالِابْتِهَاجِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ، وَلِهَذَا يُقَابَلُ الرِّضَى بِالسُّخْطِ، وَتُقَابَلُ الْإِرَادَةُ بِالْإِكْرَاهِ، وَالرِّضَى آئِلٌ إِلَى مَعْنَى الْمَحَبَّةِ. وَالرِّضَى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَفَاسَةُ الْمَرْضِيِّ عِنْدَ الرَّاضِي وَتَفْضِيلُهُ وَاخْتِيَارُهُ، فَإِذَا أُسْنِدَ الرِّضَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ لَازَمَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الِانْفِعَالَاتِ، كَشَأْنِ إِسْنَادِ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ الدَّالَّةِ فِي اللُّغَةِ عَلَى الانفعالات مثل:

الرحمان والرؤوف، وَإِسْنَادُ الْغَضَبِ والفرح والمحبة، فيؤوّل الرِّضَى بَلَازِمِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْإِثَابَةِ إِنْ عُدِّيَ إِلَى النَّاسِ، وَمِنَ النَّفَاسَةِ وَالْفَضْلِ إِنْ عُدِّيَ إِلَى أَسْمَاءِ الْمَعَانِي.

وَقَدْ فَسَّرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِالِاخْتِيَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٣] .

وَفِعْلُ الرِّضَى يُعَدَّي فِي الْغَالِبِ بِحَرْفِ (عَنْ) ، فَتَدْخُلُ عَلَى اسْمِ عَيْنٍ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهَا هُوَ مُوجِبُ الرِّضَى. وَقَدْ يُعَدَّى بِالْبَاءِ فَيَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى اسْمِ مَعْنًى نَحْوَ: رَضِيتُ بِحُكْمِ فُلَانٍ، وَيَدْخُلُ عَلَى اسْمِ ذَاتٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ تَمْيِيزٌ بَعْدَهُ نَحْوَ: رَضِيَتُ بِاللَّهِ رَبًّا، أَوْ نَحْوِهِ مِثْلُ: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التَّوْبَة: ٣٨] ، أَوْ قَرِينَةُ مَقَامٍ كَقَوْلِ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ رَضِينَا بِهِ، أَيْ رَضِينَا بِهِ حَكَمًا إِذْ هُمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْكِيمِ أَوَّلِ دَاخِلٍ.

وَيُعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَلَعَلَّهُ يُرَاعَى فِيهِ التَّضْمِينُ، أَوِ الْحَذْفُ وَالْإِيصَالُ، فَيَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى اسْمِ مَعْنًى نَحْوَ: رَضِيَتُ بِحُكْمِ فُلَانٍ بِمَعْنَى: أَحْبَبْتُ حُكْمَهُ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ يُعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِوَاسِطَةِ لَامِ الْجَرِّ نَحْوَ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [الْمَائِدَة: ٣] ، أَيْ رَضِيتُهُ لِأَجْلِكُمْ وَأَحْبَبْتُهُ لَكُمْ، أَيْ لِأَجْلِكُمْ، أَيْ لِمَنْفَعَتِكُمْ وَفَائِدَتِكُمْ. وَفِي هَذَا التَّرْكِيبِ مُبَالَغَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِالشَّيْءِ الْمَرْضِيِّ لَدَى السَّامِعِ حَتَّى كَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَرْضَاهُ لِأَجْلِ السَّامِعِ.

فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ: لِعِبادِهِ عَامًّا غَيْرَ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ثَارَ فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي تَعَلُّقِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ إِذْ مِنَ الضَّرُورِيِّ