وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْوِيهٌ بِعَظِيمِ فَضْلِ أَصْحَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَيُلْحَقُ بِهِمْ مَنْ نَصَرَ دينه بعدهمْ.
[١٥٨]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٥٨]
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ قَصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَتْ مُسْتَطْرِدَةً لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الرَّسُول الْأُمِّي، تذكير لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِيقَاظًا لِأَفْهَامِهِمْ بِأَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِصْدَاقُ الصِّفَاتِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ مُوسَى وَالْخِطَابُ بِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ، وَضَمِيرُ التَّكَلُّمِ ضَمِيرُ الرَّسُول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ مُنْكِرِينَ وَمُتَرَدِّدِينَ، اسْتِقْصَاءٌ فِي إِبْلَاغِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِمْ.
وَتَأْكِيدُ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ بِوَصْفِ جَمِيعاً الدَّالِّ نَصًّا عَلَى الْعُمُومِ، لِرَفْعِ احْتِمَالِ تَخْصِيصِ رِسَالَتِهِ بِغَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَنَّ مِنَ الْيَهُودِ فَرِيقًا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيءٌ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيءُ الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ لَمَّا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِابْنِ صَيَّادٍ- وَهُوَ يَهُودِيٌّ- أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ مَذَاهِبِ الْيَهُودِ مَذْهَبُ فَرِيقٍ مِنْ يَهُودِ أَصْفَهَانَ يُدْعَوْنَ بِالْعِيسَوِيَّةِ وَهُمْ أَتَبَاعُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْيَهُودِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً لَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ فَرِيقَانِ: فَرِيقٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى لَا تُنْسَخُ بِغَيْرِهَا، وَفَرِيقٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَا تُنْسَخُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولٌ لِغَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَانْتَصَبَ جَمِيعاً عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، بِ (إِلَى) وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَجْمُوعِينَ، وَلِذَلِكَ لَزِمَ الْإِفْرَادَ لِأَنَّهُ لَا يُطَابِقُ مَوْصُوفَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute