[٥]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٥]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.
يَجِيءُ فِي التَّقْيِيدِ (بِالْيَوْمِ) هُنَا مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [الْمَائِدَة: ٣] وَقَوْلِهِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَة: ٣] ، عَدَا وَجْهِ تَقْيِيدِ حُصُولِ الْفِعْلِ حَقِيقَةً بِذَلِكَ الْيَوْمِ، فَلَا يَجِيءُ هُنَا، لِأَنَّ إِحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ أَمْرٌ سَابِقٌ إِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْإِعْلَامِ بِهِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [الْمَائِدَة: ٣] فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: الْيَوْمَ بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ قَوْلِهِ الْيَوْمَ يَئِسَ [الْمَائِدَة: ٣] والْيَوْمَ أَكْمَلْتُ [الْمَائِدَة: ٣] أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنَّةٌ كُبْرَى لِأَنَّ إِلْقَاءَ الْأَحْكَامِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ نِعْمَةٌ فِي التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى الطَّيِّبَاتِ تَقَدَّمَ آنِفًا، فَأُعِيدَ لِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ عَلَى جُمْلَةِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ لِأَجْلِ مَا فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ مِنَ الْمِنَّةِ لِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْكِتَابِ فَلَوْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَالطَّعَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَطْعَمُهُ الْمَرْءُ وَيَأْكُلُهُ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ مَا يُعَالِجُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِطَبْخٍ أَوْ ذَبْحٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الطَّعَامُ الَّذِي لَا مُحَاوَلَةَ فِيهِ كَالْبُرِّ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُغَيِّرُهُ تَمَلُّكُ أَحَدٍ لَهُ، وَالطَّعَامُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ مُحَاوَلَةُ صَنْعَتِهِ لَا تَعَلُّقَ لِلدِّينِ بِهَا كَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَعَصْرِ الزَّيْتِ. فَهَذَا إِنْ تُجُنِّبَ مِنَ الذِّمِّيِّ فَعَلَى جِهَةِ
التَّقَذُّرِ. وَالتَّذْكِيَةُ هِيَ الْمُحْتَاجَةُ إِلَى الدِّينِ وَالنِّيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ ذَبَائِحُهُمْ رَخَّصَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَخْرَجَهَا عَنِ الْقِيَاسِ. وَأَرَادَ بِالْقِيَاسِ قِيَاسَ أَحْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute