وَأُطْلِقَ عَلَى تَأْجِيلِ اللَّهِ عَذَابَهُمُ اسْمُ الْمَكْرِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ ذَلِكَ التَّأْجِيلِ فِي خَفَائِهِ عَنْهُمْ كَهَيْئَةِ فِعْلِ الْمَاكِرِ، وَحَسَّنَتْهُ الْمُشَاكَلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ اسْتِئْنَافُ خِطَابٍ لِلْمُشْرِكِينَ مُبَاشَرَةً تَهْدِيدًا مِنَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِاخْتِلَافِ الْمُخَاطَبِ. وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِ الْمُخَاطَبِينَ يَعْتَقِدُونَ خِلَافَ ذَلِكَ، إِذْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَمْكُرُونَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مَكْرَهُمْ يَتَمَشَّى عَلَيْهِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِإِحْصَاءِ الْأَعْمَالِ يَكْتُبُونَ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ ذَلِكَ مَحْصِيٌّ مَعْدُودٌ عَلَيْهِمْ لَا يُهْمَلُ، وَهُوَ إِنْذَارٌ بِالْعَذَابِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ.
وَعَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ فِي يَكْتُبُونَ ويمكرون لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّكَرُّرِ، أَيْ تَتَكَرَّرُ كِتَابَتُهُمْ كُلَّمَا يَتَكَرَّرُ مَكْرُهُمْ، فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: مَا تَمْكُرُونَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ لِاخْتِلَافِ مُعَادَيِ الضَّمِيرَيْنِ.
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ مَا تَمْكُرُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ رَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ مَا يَمْكُرُونَ بِيَاءِ الْغَائِبِ، وَالضَّمِيرِ لِ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً. وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[٢٢، ٢٣]
[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ٢٢ الى ٢٣]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ هَذِهِ الْجُمْلَة بدل الشمَال مِنْ جُمْلَةِ وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً [يُونُس: ٢١] إِلَى آخِرِهَا لِأَنَّ الْبَغْيَ فِي الْأَرْضِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَكْرُ فِي آيَاتِ اللَّهِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute