وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ.
ومِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدَ ارْتِبَاطِ الظَّرْفِ بِعَامِلِهِ.
وَانْتَصَبَ قَرِيباً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقًا بِالْكَوْنِ الْمُضْمَرِ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ، أَيْ كَحَالٍ كَائِنٍ قَرِيبٍ، أَوِ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الَّذِينَ أَيِ الْقَوْمُ الْقَرِيبُ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ:
وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: ٨٩] .
وَالْوَبَالُ أَصْلُهُ: وَخَامَةُ الْمَرْعَى الْمُسْتَلَذِّ بِهِ لِلْمَاشِيَةِ يُقَالُ: كَلَأٌ وَبِيلٌ، إِذَا كَانَ مَرْعًى خَضِرًا «حُلْوًا» تَهَشُّ إِلَيْهِ الْإِبِلُ فَيُحْبِطُهَا وَيُمَرِضُهَا أَوْ يَقْتُلُهَا، فَشُبِّهُوا فِي إِقْدَامِهِمْ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْجَهْلِ بِعَاقِبَةِ تِلْكَ الْحَرْبِ بِإِبِلٍ تَرَامَتْ عَلَى مَرْعًى وَبِيلٍ فَهَلَكَتْ وَأُثْبِتَ الذَّوْقُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكَنِيَّةِ وَتَخْيِيلِهَا، فَكَانَ ذِكْرُ ذاقُوا مَعَ وَبالَ إِشَارَةً إِلَى هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ.
وأَمْرِهِمْ شَأْنُهُمْ وَمَا دَبَّرُوهُ وَحَسَبُوا لَهُ حِسَابَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْجَلَاءِ وَتَرْكِ الدِّيَارِ وَمَا فِيهَا، أَيْ ذَاقُوا سُوءَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَضَمِيرُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذَاقُوهُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالْجَلَاءِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةٍ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَجْسَادِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الْآخِرَةِ على الْكفْر.
[١٦، ١٧]
[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : الْآيَات ١٦ إِلَى ١٧]
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)
هَذَا مَثَلٌ آخَرُ لِمُمَثَّلٍ آخَرَ، وَلَيْسَ مَثَلًا مُنْضَمًّا إِلَى الْمَثَلِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بِالْوَاوِ، أَوْ بِ (أَوْ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: ١٩] .
وَالْوَجْهُ: أَنَّ هَذَا الْمَثَلَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [الْحَشْر: ١٥] كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ الْآيَةَ، أَيْ مثلهم فِي تسبيبهم لِأَنْفُسِهِمْ