الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ كَارِهُونَ لِلْحَقِّ. وَهَذَا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ طِبَاعَهُمْ تَأْنَفُ الْحَقَّ الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُمْ لِمَا تَخَلَّقُوا بِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْكِبْرِ وَالْغَصْبِ وَأَفَانِينِ الْفَسَادِ، بَلْهَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِقَادِ بِالْإِشْرَاكِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٣] ، فَلَا جَرَمَ كَانُوا بِذَلِكَ يَكْرَهُونَ الْحَقَّ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَقِّ يُجَافِي هَذِهِ الطِّبَاعَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ أَبُو جَهْلٍ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا [الْأَنْعَام: ٥٢، ٥٣] .
وَإِنَّمَا أُسْنِدَتْ كَرَاهِيَةُ الْحَقِّ إِلَى أَكْثَرِهِمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ إِنْصَافًا لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَحْلَامِ الرَّاجِحَةِ الَّذِينَ عَلِمُوا بُطْلَانَ الشِّرْكِ وَكَانُوا يَجْنَحُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَكِنَّهُمْ يُشَايِعُونَ طُغَاةَ قَوْمِهِمْ مُصَانَعَةً لَهُمْ وَاسْتِبْقَاءً عَلَى حُرْمَةِ أَنْفُسِهِمْ بِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِنْ صَدَعُوا بِالْحَقِّ لَقُوا مِنْ طُغَاتِهِمُ الْأَذَى وَالِانْتِقَاصَ، وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَبُو طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.
فَكَانَ الْمَعْنَى: بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ كُلُّهُمْ، فَأَمَّا أَكْثَرُهُمْ فَكَرَاهِيَةً لِلْحَقِّ، وَأَمَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ مُصَانَعَةً لِسَائِرِهِمْ وَقَدْ شَمِلَ الْكفْر جَمِيعهم.
وَتقدم الْمَعْمُولِ فِي قَوْلِهِ لِلْحَقِّ كارِهُونَ اهْتِمَامٌ بِذِكْرِ الْحَقِّ حَتَّى يَسْتَوْعِيَ السَّامِعُ مَا بَعْدَهُ فَيَقَعُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنُ سَمَاعِهِ مَوْقِعَ الْعَجَبِ مِنْ كَارِهِيهِ، وَلَمَّا ضُعِّفَ الْعَامِلُ فِيهِ بِالتَّأْخِيرِ قُرِنَ الْمَعْمُولُ بِلَامِ التَّقْوِيَةِ.
[٧١]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٧١]
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ.
عُطِفَ هَذَا الشَّرْطُ الِامْتِنَاعِيُّ عَلَى جُمْلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٠] زِيَادَةً فِي التَّشْنِيعِ عَلَى أَهْوَائِهِمْ فَإِنَّهَا مُفْضِيَةٌ إِلَى فَسَادِ الْعَالَمِ وَمَنْ فِيهِ وَكَفَى بِذَلِكَ فَظَاعَةً وَشَنَاعَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute