وَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا تَعْيِينُ مَا قَصَدَهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَجَهُّزِهِ إِلَى مَكَّةَ أَهْوَ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ أَمْ لِأَجْلِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ كَانَتِ السُّورَةُ جَمِيعُهَا نَازِلَةً فِي مُدَّةٍ مُتَقَارِبَةٍ فَإِنَّ امْتِحَانَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ كَانَ عَقِبَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَيَكُونُ نُزُولُ السُّورَةِ مُرَتَّبًا عَلَى تَرْتِيبِ آيَاتِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ فِي السُّورِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَكُونُ صُدُورُ السُّورَةِ نَازِلًا بَعْدَ آيَاتِ الِامْتِحَانِ وَمَا بَعْدَهَا حَتَّى
قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ لَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ.
وَهَذِهِ السُّورَةُ قَدْ عُدَّتِ الثَّانِيَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي تِعْدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْعُقُودِ وَقَبْلَ سُورَة النِّسَاء.
أغراض هَذِه السُّورَة
اشْتَمَلَتْ مِنَ الْأَغْرَاضِ عَلَى تَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ اتِّخَاذِ الْمُشْرِكِينَ أَوْلِيَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالدِّينِ الْحَقِّ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ.
وَإِعْلَامِهِمْ بِأَنَّ اتِّخَاذَهُمْ أَوْلِيَاءَ ضَلَالٌ وَأَنَّهُمْ لَوْ تَمَكَّنُوا من الْمُؤمنِينَ لأساؤوا إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ، وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ تُجَاهَ الْعَدَاوَةِ فِي الدِّينِ، وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فِي ذَلِكَ قَطِيعَةَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ.
وَأَرْدَفَ ذَلِكَ بِاسْتِئْنَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِرَجَاءِ أَنْ تَحْصُلَ مَوَدَّةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِمُعَادَاتِهِمْ أَيْ هَذِهِ مُعَادَاةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ.
وَأَرْدَفَ بِالرُّخْصَةِ فِي حُسْنِ مُعَامَلَةِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ عَدَاوَةٍ فِي دِينٍ وَلَا أَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إِلَى نِهَايَةِ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ.
وَحكم الْمُؤْمِنَات الّلاء يَأْتِينَ مُهَاجِرَاتٍ وَاخْتِبَارِ صَدَقِ إِيمَانِهِنَّ وَأَنْ يُحْفَظْنَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى دَارِ الشِّرْكِ وَيُعَوَّضَ أَزْوَاجُهُنَّ الْمُشْرِكُونَ مَا أَعْطَوْهُنَّ مِنَ الْمُهُورِ وَيَقَعَ التَّرَادُّ كَذَلِكَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute