[سُورَة طه (٢٠) : الْآيَات ٨٣ إِلَى ٨٥]
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَسْرِ بِعِبادِي [طه: ٧٧] الْوَاقِعَةِ تَفْسِيرًا لِفِعْلِ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى [طه: ٧٧] ، فَقَوْلُهُ وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ هُوَ مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَى مُوسَى. وَالتَّقْدِيرُ:
وَأَنْ: مَا أَعْجَلَكَ إِلَخْ. وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ لَهُمْ أَيَّامَ مُنَاجَاةِ مُوسَى فِي الطَّوْرِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْقِصَّةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَالْإِعْجَالُ: جَعْلُ الشَّيْءِ عَاجِلًا.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللَّوْمِ. وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ وَتُشِيرُ إِلَيْهِ الْآيَةُ: أَنَّ مُوسَى تَعَجَّلَ مُفَارَقَةَ قَوْمِهِ لِيَحْضُرَ إِلَى الْمُنَاجَاةِ قَبْلَ الْإِبَّانِ الَّذِي عَيَّنَهُ اللَّهُ لَهُ، اجْتِهَادًا مِنْهُ
وَرَغْبَةً فِي تَلَقِّي الشَّرِيعَةِ حَسْبَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِجَبَلِ الطُّورِ، وَلَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ إِلَّا السَّبْقَ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ لِنَفْسِهِ وَلِقَوْمِهِ، فَلَامَهُ اللَّهُ عَلَى أَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاعَاةِ مَا يَحُفُّ بِذَلِكَ مِنِ ابْتِعَادِهِ عَنْ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُوصِيَهُمُ اللَّهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَهْدِ وَيُحَذِّرَهُمْ مَكْرَ مَنْ يَتَوَسَّمُ فِيهِ مَكَرًا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعًا فَرَكَعَ وَدَبَّ إِلَى الصَّفِّ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ»
. وَقَرِيبٌ مِنْ تَصَرُّفِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخْذُ الْمُجْتَهِدِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي لَهُ مَعَارِضٌ دُونَ عِلْمٍ بِمُعَارَضَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ افْتِتَانِ قَوْمِهِ بِصُنْعِ صَنَمٍ يَعْبُدُونَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute