للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُؤَالًا فِي نُفُوسِ الْأَبْنَاءِ أَنَّهُمْ هَلْ يُعَامِلُونَ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِسَاءَةِ لِأَجْلِ إِشْرَاكِهِمَا فَأُنْبِئُوا أَنَّ عِقَابَهُمَا عَلَى الشِّرْكِ مُفَوَّضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي يُجَازِي الْمُحْسِنِينَ وَالْمُسِيئِينَ.

وَالْمَرْجِعُ: الْبَعْثُ. وَالْإِنْبَاءُ: الْإِخْبَارُ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا يَعْمَلُونَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْأَعْمَالِ وَخَفِيِّهَا، أَيْ مَا يُخْفُونَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يُكِنُّونَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَذَلِكَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَفِي قَوْلِهِ فَأُنَبِّئُكُمْ كِنَايَتَانِ: أُولَاهُمَا إِيمَاءٌ، وَثَانِيَتُهُمَا تَلْوِيحٌ، أَيْ فَأُجَازِيكُمْ ثَوَابًا عَلَى عِصْيَانِهِمَا فِيمَا يَأْمُرَانِ، وَأُجَازِيهِمَا عَذَابًا عَلَى إِشْرَاكِهِمَا.

فَجُمْلَةُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ تَصْرِيحٌ بِبَعْضِ مَا أَفَادَتْهُ الْكِنَايَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، اهْتِمَامًا بِجَانِبِ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى شَرَفِ هَذَا الْجَزَاءِ بِأَنَّهُ جَزَاءُ الصَّالِحِينَ الْكَامِلِينَ كَقَوْلِهِ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيئِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النِّسَاء: ٦٩] أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ سُلَيْمَانَ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النَّمْل: ١٩] .

وَمِنْ لَطِيفِ مُنَاسَبَةِ هَذَا الظَّرْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَمَّا أُمِرَ بِعِصْيَانِ وَالِدَيْهِ إِذَا أَمَرَاهُ بِالشِّرْكِ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ جَفَاءً وَتَفْرِقَةً فَجَعَلَ اللَّهُ جَزَاءً عَنْ وَحْشَةِ تِلْكَ التَّفْرِقَةِ أُنْسًا بِجَعْلِهِ فِي عِدَادِ الصَّالِحِينَ يأنس بهم.

[١٠]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ١٠]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠)

هَذَا فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ كَانَ حَالُهُمْ فِي عَلَاقَاتِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ حَالَ مَنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى فَإِذَا لَحِقَهُمْ أَذًى رَجَعُوا إِلَى الشِّرْكِ بِقُلُوبِهِمْ وَكَتَمُوا ذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانُوا مُنَافِقِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ أَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَارِثَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَبَا قَيْسٍ بْنَ الْوَلِيدِ ابْن الْمُغِيرَةِ، وَعَلِيَّ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصِي بْنَ