عَلَى بَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ الْإِلَهِيَّةَ وَخَاصَّةً أَحْوَالَ النُّفُوسِ وَمَرَاتِبَهَا فِي مَسَالِكَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالسَّعَادَةِ
وَالشَّقَاءِ.
[١- ٨]
[سُورَة الشَّمْس (٩١) : الْآيَات ١ إِلَى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)
الْقَسَمُ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالتَّأْكِيدِ هُوَ مَا فِي سَوْقِ الْخَبَرِ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِالِاسْتِئْصَالِ.
وَالْوَاوَاتُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْفَوَاصِلِ وَاوَاتُ قَسَمٍ.
وَكُلٌّ مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَنَفْسِ الْإِنْسَانِ، مِنْ أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ ذَاتًا وَمَعْنًى الدَّالَّةِ عَلَى بَدِيعِ حِكْمَتِهِ وَقَوِيِّ قُدْرَتِهِ.
وَكَذَلِكَ كُلٌّ مِنَ الضُّحَى، وَتُلُوِّ الْقَمَرِ الشَّمْسَ وَالنَّهَارِ، وَاللَّيْلِ مِنْ أَدَقِّ النِّظَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالضُّحَى: وَقْتُ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ مَشْرِقِهَا، وَظُهُورِ شُعَاعِهَا، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الشَّمْسُ مُتَجَاوِزَةً مَشْرِقَهَا بِمِقْدَارِ مَا يُخَيَّلُ لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ طُولُ رُمْحٍ.
وَمَهَّدَ لِذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ سَبَبُ الْفَلَاحِ، وَأَنَّ التَّقْصِيرَ فِي إِصْلَاحِهَا سَبَبُ الْفُجُورِ وَالْخُسْرَانِ.
وَالتُّلُوُّ: التَّبَعُ وَأُرِيدَ بِهِ خَلْفُ ضَوْئِهِ فِي اللَّيْلِ ضَوْءَ الشَّمْسِ، أَيْ إِذَا ظَهَرَ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَكَأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي مَكَانِهَا، وَهَذَا تُلُوٌّ مَجَازِيٌّ. وَالْقَمَرُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا اسْتِهْلَالُهُ، فَالْهِلَالُ يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِينَ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَبْقَى كَذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَهُوَ أَيْضًا يَتْلُو الشَّمْسَ حِينَ يُقَارِبُ الِابْتِدَارَ وَحِينَ يَصِيرُ