للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ سَبَبَ انْتِفَاءِ النَّصِيرِ لَهُمْ هُوَ ظُلْمُهُمْ، أَيْ كُفْرُهُمْ. وَقَدْ أَفَادَ ذَلِكَ ذَهَابَ عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ بَاطِلًا لِأَنَّهُمْ عَبَدُوهَا رَجَاءَ النَّصْرِ. وَيُفِيدُ بِعُمُومِهِ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَنْصُرُهُمْ فَأَغْنَى عَنْ مَوْصُولٍ ثَالِثٍ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَصْنَامِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا لَا يَنْصُرُهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ [الْأَعْرَاف: ١٩٧] .

[٧٢]

[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٧٢]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً [الْحَج: ٧١] لِبَيَانِ

جُرْمٍ آخَرَ مِنْ أَجْرَامِهِمْ مَعَ جُرْمِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَهُوَ جُرْمُ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْقُرْآنِ.

وَالْآيَاتُ هِيَ الْقُرْآنُ لَا غَيْرُهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ لِقَوْلِهِ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ.

وَالْمُنْكَرُ: إِمَّا الشَّيْءُ الَّذِي تُنْكِرُهُ الْأَنْظَارُ وَالنُّفُوسُ فَيَكُونُ هُنَا اسْمًا، أَيْ دَلَائِلُ كَرَاهِيَتِهِمْ وَغَضَبِهِمْ وَعَزْمِهِمْ عَلَى السُّوءِ، وَإِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ كَالْمُكْرَمِ بِمَعْنَى الْإِكْرَام. والمحملان آئلان إِلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يَلُوحُ عَلَى وُجُوهِهِمُ الغيظ وَالْغَضَب عِنْد مَا يُتْلَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ وَيُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ امْتِلَاءِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالْغَيْظِ حَتَّى تَجَاوَزَ أَثَره بواطنهم فَظهر عَلَى وُجُوهِهِمْ. كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: ٢٤] كِنَايَةً عَنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهِمْ وَفَرْطِ مَسَرَّتِهِمْ بِهِ. وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْكِنَايَةِ عُدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِنَحْوِ: اشْتَدَّ غَيْظُهُمْ، أَوْ يَكَادُونَ يَتَمَيَّزُونَ غَيْظًا، وَنَحْوِ قَوْلِهِ: قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [النَّحْل: ٢٢] .