الْمَقَامِ اسْتِعْمَالَ فَاءِ التَّعْلِيلِ، فَهَذَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْخَبَرِ إِظْهَارَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّغَارِ وَالْحَقَارَةِ الَّتِي غَفَلَ عَنْهَا فَذَهَبَتْ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْهَا إِلَى التَّكَبُّرِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ أَشَدُّ فِي إِثْبَاتِ الصَّغَارِ لَهُ مِنْ نَحْوِ: إِنَّكَ صَاغِرٌ، أَوْ قَدْ صَغُرْتَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٦] ، وَقَوْلِهِ آنِفًا: لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَالصَّاغِرُ الْمُتَّصِفُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ الذُّلُّ وَالْحَقَارَةُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الصَّغَارُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ جِبِلَّتَهُ صَارَتْ عَلَى غَيْرِ مَا يُرْضِي اللَّهَ، وَهُوَ صَغَارُ الْغَوَايَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ هَذَا: فَبِما أَغْوَيْتَنِي [الْأَعْرَاف: ١٦] .
[١٤، ١٥]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ١٤ إِلَى ١٥]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
لَمَّا كَوَّنَ اللَّهُ فِيهِ الصَّغَارَ وَالْحَقَارَةَ بَعْدَ عِزَّةِ الْمَلَكِيَّةِ وَشَرَفِهَا انْقَلَبَتْ مَرَامِي هِمَّتِهِ إِلَى التَّعَلُّقِ بِالسَّفَاسِفِ (إِذَا مَا لَمْ تَكُنْ إِبِلٌ فَمَعْزًى) فَسَأَلَ النَّظِرَةَ بِطُولِ الْحَيَاةِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، إِذْ كَانَ يَعْلَمُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الْحَوَادِثِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِ الْبَاقِي، فَلَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ ظَنَّ أَنَّهُ صَائِرٌ إِلَى الْعَدَمِ فَلِذَلِكَ سَأَلَ النَّظِرَةَ إِبْقَاءً لِمَا كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِذْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، وَبَدَرَ مِنْ إِبْلِيسَ طَلَبُ النَّظِرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ أَيْ إِنَّكَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْبَاقِيَةِ.
وَقَدْ أَفَادَ التَّأْكِيدُ بِإِنَّ وَالْإِخْبَارُ بِصِيغَةِ مِنَ الْمُنْظَرِينَ أَنَّ إِنْظَارَهُ أَمْرٌ قَدْ قَضَاهُ اللَّهُ
وَقَدَّرَهُ مِنْ قَبْلِ سُؤَالِهِ، أَيْ تَحَقَّقَ كَوْنُكَ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِينَ أُنْظِرُوا إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا وَقَدَّرَ بَقَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَكَشَفَ لِإِبْلِيسَ أَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْظَرِينَ مِنْ قَبْلِ حُدُوثِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِمُغَيِّرٍ مَا قَدَّرَهُ لَهُ، فَجَوَابُ اللَّهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ إِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ تَحَقَّقَ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute