مُؤْمِنُونَ، فَالِانْتِصَارُ لِأَنْفُسِهِمْ رَادِعٌ لِلْبَاغِينَ عَنِ التَّوَغُّلِ فِي الْبَغْيِ عَلَى أَمْثَالِهِمْ، وَذَلِكَ الرَّدْعُ عَوْنٌ عَلَى انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ، إِذْ يَقْطَعُ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَالِجَ نُفُوسَ الرَّاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ هَوَاجِسِ خَوْفِهِمْ مِنْ أَنْ يُبْغَى عَلَيْهِمْ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ آنِفًا وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: ٣٧] تَعَارَضٌ لِاخْتِلَافِ الْمَقَامَيْنِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا.
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا وَكَانُوا إِذَا قَدَرُوا عَفَوْا.
وَأَدْخَلَ ضَمِيرَ الْفَصْلِ بَقَوْلِهِ: هُمْ يَنْتَصِرُونَ الَّذِي فَصَلَ بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَبَيْنَ خَبَرِهِ
لِإِفَادَةِ تَقَوِّي الْخَبَرِ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَدَّدُوا فِي الِانْتِصَارِ لِأَنْفُسِهِمْ.
وَأُوثِرَ الْخَبَرُ الْفِعْلِيُّ هُنَا دُونَ أَنْ يُقَالَ: مُنْتَصِرُونَ، لِإِفَادَةِ مَعْنَى تَجَدُّدِ الِانْتِصَارِ كُلَّمَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ.
وَأَمَّا مَجِيءُ الْفِعْلِ مُضَارِعًا فَلِأَنَّ الْمُضَارِعَ هُوَ الَّذِي يَجِيءُ مَعَهُ ضمير الْفَصْل.
[٤٠]
[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٤٠]
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)
هَذِهِ جُمَلٌ ثَلَاثٌ مُعْتَرِضَةٌ الْوَاحِدَةُ تِلْوَ الْأُخْرَى بَيْنَ جُمْلَةِ وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ [الشورى: ٣٩] إِلَخْ وَجُمْلَةِ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ [الشورى: ٤١] . وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ تَحْدِيدُ الِانْتِصَارِ وَالتَّرْغِيبُ فِي الْعَفْوِ ثُمَّ ذَمُّ الظُّلْمِ وَالِاعْتِدَاءِ، وَهَذَا انْتِقَالٌ مِنَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِصَارِ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ إِلَى تَحْدِيدِ إِجْرَائِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِقَرِينَةِ تَفْرِيعِ فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ عَلَى جُمْلَةِ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها إِذْ سُمِّيَ تَرْكُ الِانْتِصَارِ عَفْوًا وَإِصْلَاحًا وَلَا عَفْوَ وَلَا إِصْلَاحَ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ.
وَبِقَرِينَةِ الْوَعْدِ بِأَجْرٍ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَفْوِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْإِصْلَاحِ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ أَجْرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute