مِنْ أَضْدَادِ أَدِلَّتِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى انْغِمَاسِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْخِذْلَانِ، وَبُعْدِهِمْ عَنِ السَّعَادَةِ وَالتَّوْفِيقِ، فَلَا يَزَالُونَ مُوَرَّطِينَ فِي وَحْلِ الشَّقَاوَةِ.
فَالِاسْتِكْبَارُ: شِدَّةُ التَّكَبُّرِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السِّينُ وَالتَّاءُ، أَيْ: عَدُّ أَنْفُسِهِمْ كُبَرَاءَ، أَيْ تَعَاظُمُهُمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بِمُوسَى وَإِبْطَالِ دِينِهِمْ إِذْ أَعْرَضُوا عَنِ التَّصْدِيقِ بِتِلْكَ الْآيَاتِ الْمُفَصَّلَاتِ.
وَجُمْلَةُ: وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاسْتَكْبَرُوا، فَالْمَعْنَى:
فَاسْتَكْبَرُوا عَنِ الِاعْتِرَافِ بِدَلَالَةِ تِلْكَ الْآيَاتِ وَأَجْرَمُوا، وَإِنَّمَا صِيَغَ الْخَبَرُ عَنْ إِجْرَامِهِمْ بِصِيغَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ وَصْفِ الْإِجْرَامِ فِيهِمْ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُمْ، وَرُسُوخِهِ فِيهِمْ مِنْ قَبْلِ حُدُوثِ الِاسْتِكْبَارِ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْإِجْرَامِ الرَّاسِخَ فِيهِمْ هُوَ عِلَّةٌ لِلِاسْتِكْبَارِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ، فِ (كَانَ) دَالَّةٌ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ وَصْفُ الْإِجْرَامِ.
وَالْإِجْرَامُ: فِعْلُ الْجُرْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ فِي هَذِه السُّورَة [٤٠] .
[١٣٤، ١٣٥]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ١٣٤ إِلَى ١٣٥]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥)
الرِّجْزُ الْعَذَابُ فَالتَّعْرِيفُ بِاللَّامِ هُنَا لِلْعَهْدِ أَيِ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ- إِلَى قَوْلِهِ- آياتٍ مُفَصَّلاتٍ [الْأَعْرَاف: ١٣٣] وَالرِّجْزُ مِنْ أَسْمَاءِ الطَّاعُونِ، وَقَدْ تقدم عِنْد قَوْلهم تَعَالَى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥٩] ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْزِ الطَّاعُونُ أَيْ أَصَابَهُمْ طَاعُونٌ أَلْجَأَهُمْ إِلَى التَّضَرُّعِ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَطُوِيَ ذِكْرُهُ لِلْإِيجَازِ، فَالتَّقْدِيرُ: وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّجْزَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ إِلَخ ... وَإِنَّمَا لم يُذْكَرُ الرِّجْزُ فِي عِدَادِ الْآيَاتِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ [الْأَعْرَاف: ١٣٣] الْآيَةَ تَخْصِيصًا لَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ لَهُ نَبَأً عَجِيبًا فَإِنَّهُ كَانَ مُلْجِئَهُمْ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِآيَاتِ مُوسَى وَوُجُودِ رَبِّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute