تَمُرَّ عَلَيْهَا التَّارَاتُ السَّبْعُ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ الْآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ: صَدَقْتَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ»
. فَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا بِكَلِمَةِ «أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْعِظامَ فِيهِمَا. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَن عَاصِم عِظاماً.. والْعَظْمُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ.
وَفُرِّعَ عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْخَلْقِ الْعَجِيبِ إِنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أَيْ أَحْسَنُ الْمُنْشِئِينَ إِنْشَاءً، لِأَنَّهُ أَنْشَأَ مَا لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ إِنْشَاءَهُ.
وَلَمَّا كَانَتْ دَلَالَةُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ عَلَى عِظَمِ الْقُدْرَةِ أَسْبِقَ إِلَى اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِ كَانَ الثَّنَاءُ الْمُعَقَّبُ بِهِ ثَنَاءً عَلَى بَدِيعِ قُدْرَةِ الْخَالِقِ مُشْتَقًّا مِنَ الْبَرَكَةِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ.
وَصِيغَةُ تَفَاعَلَ صِيغَةُ مُطَاوَعَةٍ فِي الْأَصْلِ، وَأَصْلُ الْمُطَاوَعَةِ قَبُولُ أَثَرِ الْفِعْلِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي لَازِمِ ذَلِكَ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ تَلَبُّسًا مَكِينًا لِأَنَّ شَأْنَ الْمُطَاوَعَةِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ مُعَالَجَةِ الْفِعْلِ فَتَقْتَضِي ارْتِسَاخَ مَعْنَى الْفِعْلِ فِي الْمَفْعُولِ الْقَابِلِ لَهُ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ
فَاعِلًا فَيُقَالُ: كَسَّرْتُهُ فَتَكَسَّرَ، فَلِذَلِكَ كَانَ تَفَاعَلَ إِذَا جَاءَ بِمَعْنَى فَعَلَ دَالًّا عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ فِي «شَرْحِ الشَّافِيَةِ» ، وَلِذَلِكَ تَتَّفِقُ صِيَغُ الْمُطَاوَعَةِ وَصِيَغُ التَّكَلُّفِ غَالِبًا فِي نَحْوِ: تَثَنَّى. وَتَكَبَّرَ، وَتَشَامَخَ، وتقاعس. فَمَعْنَى فَتَبارَكَ اللَّهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْعَظَمَةِ فِي الْخَيْرِ، أَيْ عَظَمَةُ مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ خَيْرٍ لِلنَّاسِ وَصَلَاحٍ لَهُمْ.
وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلًا لِأَنَّ تَبَارَكَ لَمَّا حُذِفَ مُتَعَلِّقُهُ كَانَ عَامًّا فَيَشْمَلُ عَظَمَةَ الْخَيْرِ فِي الْخَلْقِ وَفِي غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ حَذْفُ مُتَعَلِّقِ الْخالِقِينَ يَعُمُّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَخَلْقَ غَيْرِهِ كالجبال وَالسَّمَاوَات.
[١٥، ١٦]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٦]
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute