للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعَالَى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٨٠] . وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ كَقَوْلِهِمْ: أَلْحَدَ الْمَيِّتَ، لِأَنَّ تِلْكَ لِلْجَعْلِ ذَا لَحْدٍ.

وَاللِّسَانُ: الْكَلَامُ. سُمِّيَ الْكَلَامُ بِاسْمِ آلَتِهِ. وَالْأَعْجَمِيُّ: الْمَنْسُوبُ إِلَى الْأَعْجَمِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَيِّنُ عَنْ مُرَادِهِ مِنْ كُلِّ نَاطِقٍ لَا يَفْهَمُونَ مَا يُرِيدُهُ. وَلِذَلِكَ سَمَّوُا الدَّوَابَّ الْعَجْمَاوَاتِ. فَالْيَاءُ فِيهِ يَاءُ النَّسَبِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ وَصْفًا كَانَ النَّسَبُ لِتَقْوِيَةِ الْوَصْفِ.

وَالْمُبِينُ: اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ أَبَانَ، إِذَا صَارَ ذَا إِبَانَةٍ، أَيْ زَائِدٌ فِي الْإِبَانَةِ بِمَعْنَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، فَحَصَلَ تَمَامُ التَّضَادِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ.

[١٠٤]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٠٤]

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ. وَوُرُودُ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ ذِكْرِ اخْتِلَاقِ الْمُتَقَعِّرِينَ عَلَى الْقُرْآنِ الْمُرْجِفِينَ بِالْقَالَةِ فِيهِ بَين الدهماء يومىء إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ لَا يُؤْمِنُونَ هُمْ أُولَئِكَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ آنِفًا. وَهُمْ فَرِيقٌ مَعْلُومٌ بِشدَّة الْعَدَاوَة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالتَّصَلُّبِ فِي التَّصَدِّي لِصَرْفِ النَّاسِ عَنْهُ بِحَيْثُ بَلَغُوا مِنَ الْكُفْرِ غَايَةً مَا وَرَاءَهَا غَايَةٌ، فَحَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَهَؤُلَاءِ فَرِيقٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ يَوْمَئِذٍ وَلَكِنَّهُمْ مُشَارٌ إِلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ، وَتَكْشِفُ عَنْ تَعْيِينِهِمْ عَوَاقِبُ أَحْوَالِهِمْ.

فَقَدْ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ وَأَبُو سُفْيَانَ. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَطْوَلَ مُدَّةً فِي الْكُفْرِ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَلَكِنَّ أَبَا جَهْلٍ كَانَ يَخْلِطُ كُفْرَهُ بِأَذَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَنَقِ عَلَيْهِ.

وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الِانْتِصَارِ لِدِينِهِ وَلِقَوْمِهِ وَدَفَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَغْلِبُوهُمْ فَحَرَمَ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ الْهِدَايَةَ فَأَهْلَكَهُ كَافِرًا، وَهَدَى أَبَا سُفْيَانَ فَأَصْبَحَ مِنْ خِيرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَشَرَّفَ بِصِهْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ