للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَدَلَ عَنْ جَعْلِ فَاعِلِ كَبُرَ ضَمِيرَ الْقَوْلِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَوْ يُقَالُ: كَبُرَ ذَلِكَ مَقْتًا، لِقَصْدِ زِيَادَةِ التَّهْوِيلِ بِإِعَادِةِ لَفْظِهِ، وَلِإِفَادَةِ التَّأْكِيدِ.

وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا لَا تَفْعَلُونَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَوْصُولَةٌ، وَهِيَ بِمَعْنَى لَامِ الْعَهْدِ، أَيِ الْفِعْلُ الَّذِي وَعَدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوهُ وَهُوَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَوِ الْجِهَادُ. فَاقْتَضَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْوَعْدَ فِي مِثْلِ هَذَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ بِهَ طَاعَةٌ فَالْوَعْدُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ النَّذْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْقِرْبَةُ فَيَجِبُ الْوَفَاء بِهِ.

[٤]

[سُورَة الصَّفّ (٦١) : آيَة ٤]

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)

هَذَا جَوَابٌ عَلَى تَمَنِّيهِمْ مَعْرِفَةَ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا قَبْلُهُ تَوْطِئَةٌ لَهُ عَلَى أُسْلُوبِ الْخُطَبِ وَمُقَدِّمَاتِهَا.

وَالصَّفُّ: عَدَدٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَجَانِبَةٍ مُنْتَظِمَةِ الْأَمَاكِنَ، فَيُطْلَقُ عَلَى صَفِّ الْمُصَلِّينَ، وَصَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَصَفِّ الْجَيْشِ فِي مَيْدَانِ الْقِتَالِ بِالْجَيْشِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالُ كَانَ صَفًّا مِنْ رَجَّالَةٍ أَوْ فُرْسَانٍ ثُمَّ يَقَعُ تَقَدُّمُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فُرَادَى أَوْ زَرَافَاتٍ.

فَالصَّفُّ هُنَا: كِنَايَةٌ عَنْ الِانْتِظَامِ وَالْمُقَاتَلَةِ عَنْ تَدَبُّرِ.

وَأَمَّا حَرَكَاتُ الْقِتَالِ فَتَعْرِضُ بِحَسَبِ مَصَالِحِ الْحَرْبِ فِي اجْتِمَاعٍ وَتَفَرُّقٍ وَكَرٍّ وَفَرٍّ.

وَانْتَصَبَ صَفًّا عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ: صَافِّينَ، أَوْ مَصْفُوفِينَ.

وَالْمَرْصُوصُ: الْمُتَلَاصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَالتَّشْبِيهُ فِي الثَّبَاتِ وَعَدَمِ الِانْفِلَاتِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّوْبِيخُ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفّ: ٢] .

[٥]

[سُورَة الصَّفّ (٦١) : آيَة ٥]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ