دَلِيلٌ لِلْمَعْمُولِ الْمَحْذُوفِ إِذِ التَّحْقِيقُ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَخْتَصُّ بِأَفْعَالِ الظَّنِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ، لِأَنَّ سَبَبَ التَّعْلِيقِ وُجُودُ أَدَاةٍ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلُهُ.
وَالتَّقْدِيرُ: بَدَا لَهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَسَمُ، أَيْ بَدَا لَهُمْ تَأْكِيدُ أَنْ يَسْجُنُوهُ.
وَذَكَرَ فِي «الْمُغْنِي» فِي آخِرِ الْجُمَلِ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ: وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي الْفَاعِلِ وَنَائِبِ الْفَاعِلِ، هَلْ يَكُونُ جُمْلَةً؟ فَأَجَازَهُ هِشَامُ وَثَعْلَبٌ مُطْلَقًا، وَأَجَازَهُ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ قَلْبِيًّا وَوُجِدَ مُعَلَّقٌ، وَحَمَلُوا الْآيَةَ عَلَيْهِ، وَنُسِبَ إِلَى سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ يؤول إِلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقُ أَنْسَبُ بِالْمَعْنَى.
وَالْحِينُ: زَمَنٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ، فَإِنْ كَانَ حَتَّى حِينٍ مِنْ كَلَامِهِمْ كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِسَجْنِهِ سَجْنًا غَيْرَ مُؤَجَّلِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الْحِكَايَةِ كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ أَبْهَمَ الْمُدَّةَ الَّتِي
أَذِنُوا بِسِجْنِهِ إِلَيْهَا إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ فِيهَا الْغَرَضُ مِنَ الْقِصَّةِ.
وَالْآيَاتُ: دَلَائِلُ صِدْقِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَكَذِبِ امْرَأَة الْعَزِيز.
[٣٦]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ٣٦]
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)
اتَّفَقَ جَمِيعُ الْقُرَّاءِ عَلَى كَسْرِ سِينِ السِّجْنَ هُنَا بِمَعْنَى الْبَيْتِ الَّذِي يُسْجَنُ فِيهِ، لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ إِلَّا بِالْمَكَانِ لَا بِالْمَصْدَرِ.
وَهَذَانَ الْفَتَيَانِ هُمَا سَاقَيِ الْمَلِكِ وَخَبَّازُهُ غَضِبَ عَلَيْهِمَا الْمَلِكُ فَأَمَرَ بِسَجْنِهِمَا. قِيلَ:
اتُّهِمَا بِتَسْمِيمِ الْمَلِكِ فِي الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ.
وَجُمْلَةُ قالَ أَحَدُهُما ابْتِدَاءُ مُحَاوَرَةٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْقَوْلِ.