للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والْحَقُّ: الْخَالِصُ، كَقَوْلِكَ: هَذَا ذَهَبٌ حَقًّا. وَهُوَ الْمُلْكُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمَاثِلُهُ مُلْكٌ، لِأَنَّ حَالَةَ الْمُلْكِ فِي الدُّنْيَا مُتَفَاوِتَةٌ. وَالْمُلْكُ الْكَامِلُ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَكِنَّ الْعُقُولَ قَدْ لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا فِي الْمُلُوكِ مِنْ نَقْصٍ وَعَجْزٍ وَتَبْهَرُهُمْ بَهْرَجَةُ تَصَرُّفَاتِهِمْ وَعَطَايَاهُمْ فَيَنْسَوْنَ الْحَقَائِقَ، فَأَمَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْحَقَائِقُ مُنْكَشِفَةٌ وَلَيْسَ ثَمَّةَ مِنْ يَدَّعِي شَيْئًا مِنَ التَّصَرُّفِ،

وَفِي الْحَدِيثِ: «ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ»

. وَوُصِفَ الْيَوْمُ بِعَسِيرٍ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ أُمُورٍ عَسِيرَةٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.

وَتَقْدِيمُ عَلَى الْكافِرِينَ لِلْحَصْرِ. وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ دون الْمُؤمنِينَ.

[٢٧- ٢٩]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٢٧ إِلَى ٢٩]

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩)

هَذَا هُوَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أُعِيدَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ حَالٍ آخَرَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْآيَةِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الظَّالِمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ. وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ الشِّرْكُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بَعْدَ ظُهُورِ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا إِعْلَامًا بِمَا لَا تَخْلُو عَنْهُ مِنْ صُحْبَةِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَإِغْرَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى مُنَاوَاةِ الْإِسْلَامِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْمَخْصُوصِ. وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ الِاعْتِدَاءُ الْخَاصُّ الْمَعْهُودُ مِنْ

قِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ قِصَّةُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَمَا أَغْرَاهُ بِهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ.

قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ: كَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ خَلِيلًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ عُقْبَةُ لَا يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا إِلَيْهِ أَشْرَافَ قَوْمِهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ مِنْ بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَصَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَلَمَّا قَرَّبُوا الطَّعَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] :

مَا أَنَا بِآكِلٍ مِنْ طَعَامِكَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا