[سُورَة المرسلات (٧٧) : الْآيَات ٤١ إِلَى ٤٤]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِتَامَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ تَقْرِيعٌ لِلْمُشْرِكِينَ حُكِيَ لَهُمْ فِيهِ نَعِيمُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي لَا يُشَاهِدُهُ الْمُشْرِكُونَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ فَيُحْكَى لَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِيمَا يُقَالُ لَهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ وَتَنْدِيمًا لَهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِمَّا بَادَرَ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ الْمُؤْمِنُونَ فَفَازُوا، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْلِ الَّذِي حُذِفَ فِعْلُهُ عِنْدَ قَوْله: انْطَلِقُوا
[المرسلات: ٢٩] إِلَخْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ابْتِدَاءَ كَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ انْتَقَلَ بِهِ إِلَى ذِكْرِ نَعِيمِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ تَنْوِيهًا بشأنهم وتعريضا بترغيب مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي الْإِقْلَاعِ عَنْهُ لِيَنَالُوا كَرَامَةَ الْمُتَّقِينَ.
وظِلالٍ: جَمْعُ ظِلٍّ، وَهِيَ ظِلَالٌ كَثِيرَةٌ لِكَثْرَةِ شَجَرِ الْجَنَّةِ وَكَثْرَةِ الْمُسْتَظِلِّينَ بِظِلِّهَا، وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ظِلًّا يَتَمَتَّعُ فِيهِ هُوَ وَمَنْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَوْقَعُ فِي النَّعِيمِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُتَّقِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَّقِينَ كَوْنٌ فِي ظِلَالٍ.
وفِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَهِيَ ظَرْفِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلظِّلَالِ لِأَنَّ الْمُسْتَظِلَّ يَكُونُ مَظْرُوفًا فِي الظِّلِّ، وَظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُيُونِ وَالْفَوَاكِهِ تَشْبِيهًا لِكَثْرَةِ مَا حَوْلَهُمْ مِنَ الْعُيُونِ وَالْفَوَاكِهِ بِإِحَاطَةِ الظُّرُوفِ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا يَشْتَهُونَ صِفَةُ فَواكِهَ. وَجَمْعُ فَواكِهَ الْفَوَاكِهُ وَغَيْرُهَا، فَالتَّبْعِيضُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ (مِنْ) تَبْعِيضٌ مِنْ أَصْنَافِ الشَّهَوَاتِ لَا مِنْ أَصْنَافِ الْفَوَاكِهِ فَأَفَادَ أَنَّ تِلْكَ الْفَوَاكِهَ مَضْمُومَةٌ إِلَى مَلَاذٍ أُخْرَى مِمَّا اشْتَهَوْهُ.
وَجُمْلَةُ كُلُوا وَاشْرَبُوا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ فِي مَوْقِعِ الْحَالِ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: مَقُولًا لَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَرَامَتُهُمْ بِعَرْضٍ تَنَاوَلَ النَّعِيمَ عَلَيْهِمْ كَمَا يَفْعَله المضيف لضيوفه فَالْأَمْرُ فِي كُلُوا وَاشْرَبُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَرْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute