للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهَنِيئاً دُعَاءُ تَكْرِيمٍ كَمَا يُقَالُ لِلشَّارِبِ أَوِ الطَّعَامِ فِي الدُّنْيَا: هَنِيئًا مَرِيئًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤] .

وهَنِيئاً وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَذَلِكَ الْمَوْصُوفُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ لِقَصْدِ الدُّعَاءِ مِثْلَ: سَقْيًا وَرَعْيًا، فِي الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ، وَتَبًّا وَسُحْقًا فِي ضِدِّهِ.

وَالْبَاءُ فِي بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ لِإِفَادَةِ تَسَبُّبِ مَا بَعْدَهَا فِي وُقُوعِ مُتَعَلِّقِهِ، أَيْ كُلُوا وَاشْرَبُوا بِسَبَبِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِهِمْ بِأَنْ جَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْعَامَ حَقًّا لَهُمْ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُقَالُ لِلْمُتَّقِينَ بَعْدَ أَنْ قِيلَ

لَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا إِلَخْ مَسُوقَةً إِلَيْهِمْ مَسَاقَ زِيَادَةِ الْكَرَامَةِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، أَيْ هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْكُمْ هُوَ سُنَّتُنَا فِي جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ فَإِذْ قَدْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فَذَلِكَ جَزَاءٌ لَكُمْ نِلْتُمُوهُ بِأَنَّكُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَقِّ فِي مِثْلِهِ، فَفِي هَذَا هَزٌّ مِنْ أَعْطَافِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ.

وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ: أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تُقَالُ لِكُلِّ مُتَّقٍ مِنْهُمْ، أَوْ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مُجْتَمِعَةٍ عَلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَلِيَعْلَمُوا أَيْضًا أَنَّ أَمْثَالَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ الْأُخْرَى لَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ مِثْلَ مَا هُمْ يَنْعَمُونَ بِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُوَجَّهَةً إِلَى الْمُكَذِّبِينَ الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ لَهُمْ مَا يَنْعَمُ بِهِ الْمُتَّقُونَ إِثْرَ قَوْلِهِ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ إِلَخْ، قَصَدَ مِنْهَا التَّعْرِيضَ بِأَنَّ حِرْمَانَهُمْ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ النَّعِيمِ هُمُ الَّذِينَ قَضَوْا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذْ أَبَوْا أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُحْسِنِينَ تَكْمِلَةً لِتَنْدِيمِهِمْ وَتَحْسِيرِهِمُ الَّذِي بُودِئُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ إِلَى آخِرِهِ، أَيْ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ دُونَ أَمْثَالِكُمُ الْمُسِيئِينَ.

وَمَوْقِعُ الْجُمْلَةِ عَلَى كِلَا الْاعْتِبَارَيْنِ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمِنْ أَجْلِ الْإِشْعَارِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ افْتُتِحَتْ بِ إِنَّ مَعَ خُلُوِّ الْمَقَامِ عَنِ التَّرَدُّدِ فِي الْخَبَرِ إِذِ الْمَوْقِفُ يَوْمَئِذٍ مَوْقِفُ الصِّدْقِ وَالْحَقِيقَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ إِنَّ مُتَمَحِضِةً لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ مُغْنِيَةً غِنَاءَ فَاءِ التَّسَبُّبِ وَتُفِيدُ مُفَادَ التَّعْلِيلِ