(الْعَذَاب) هُنَا نَكِرَةٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى نَكِرَةٍ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِعَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. فَأَمَّا عَذَابُ الدُّنْيَا فَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِنُزُولِهِ بِهِمْ وَلَكِنَّهُ مَظْنُونٌ مِنْ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِنَاءً عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ عِنَايَةِ اللَّهِ بِإِيمَانِ قَوْمِهِ وَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْحِرْصِ فِي التَّبْلِيغِ، فَعَلِمَ أَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتْرُكَ مَنْ عَصَوْهُ دُونَ عُقُوبَةٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي كَلَامِهِ الْآتِي إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ [هود: ٣٣] عَلَى مَا يَأْتِي هُنَالِكَ. وَكَانَ الْعَذَابُ شَامِلًا لِعَذَابِ الْآخِرَةِ أَيْضًا إِنْ بَقَوْا عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ يَقْرِنُ الْوَعِيدَ بِالدَّعْوَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي كَلَامِهِ الْآتِي وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [هود: ٣٣] ، وَقَدْ تَبَادَرَ إِلَى أَذْهَانِ
قَوْمِهِ عَذَابُ الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ فَلِذَلِكَ قَالُوا فِي كَلَامِهِمُ الْآتِي فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود: ٣٢] . وَلَعَلَّ فِي كَلَامِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَا تُفِيدُهُمْ أَنَّهُ تَوَعَّدَهُمْ بِعَذَابٍ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الطوفان.
[٢٧]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٢٧]
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)
عَطَفَ قَوْلَ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ بِالْفَاءِ عَلَى فعل أَرْسَلْنا [هود: ٢٥] لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ بَادَرُوهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُجَادَلَةِ الْبَاطِلَةِ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [هود: ٢٥] إِلَى آخِرِهِ. وَلَمْ تَقَعْ حِكَايَةُ ابْتِدَاءِ مُحَاوَرَتِهِمْ إِيَّاهُ بِ (قَالَ) مُجَرَّدًا عَنِ الْفَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي الْأَعْرَافِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ مُحَاوَرَتِهِ إِيَّاهُمْ هُنَا لَمْ يَقَعْ بِلَفْظِ الْقَوْلِ فَلَمْ يُحْكَ جَوَابُهُمْ بِطَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ بِخِلَافِ آيَةِ الْأَعْرَافِ.
وَالْمَلَأُ: سَادَةُ الْقَوْمِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute