للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حم (١) عسق (٢)

ابْتُدِئَتْ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ابْتُدِئَتْ بِهِ أَمْثَالُهَا مِثْلَ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا مُشِيرٌ إِلَى التَّحَدِّي بِعَجْزِهِمْ عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ عَجْزَهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَخُصَّتْ بِزِيَادَةِ كَلِمَةِ عسق عَلَى أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنْ آلِ حم وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِحَالٍ كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ وَقْتَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَكَانَ التَّحَدِّي لَهُمْ بِالْمُعَارَضَةِ أَشَدَّ فَزِيدَ فِي تَحَدِّيهِمْ مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي. وَإِنَّمَا لَمْ تُوصَلِ الْمِيمُ بِالْعَيْنِ كَمَا وُصِلَتِ الْمِيمُ بِالرَّاءِ فِي طَالِعَةِ سُورَةِ الرَّعْدِ، وَكَمَا وُصِلَتِ الْمِيمُ بِالصَّادِ فِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَكَمَا وُصِلَتِ الْعَيْنُ بِالصَّادِ فِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ مَرْيَمَ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمِيمِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ حَرْفٌ وَاحِدٌ فَاتِّصَالُهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ ثَلَاثَةُ حُرُوفٍ تُشْبِهُ كَلِمَةً فَكَانَتْ أولى بالانفصال.

[٣]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٣]

كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)

مُوقِعُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٣] . وَالْمَعْنَى: مِثْلَ هَذَا الْوَحْيِ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ: الْإِيحَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ فِعْلِ يُوحِي.

وَأَمَّا وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ فَإِدْمَاجٌ. وَالتَّشْبِيهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عَلَى أَصْلِهِ، أَيْ مِثْلَ وَحْيِهِ إِلَيْكَ وَحْيُهُ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ، فَالتَّشْبِيهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كِلْتَا طَرِيقَتَيْهِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْمُشْتَرَكُ فِي مَعْنَيَيْهِ. وَالْغَرَضُ مِنَ التَّشْبِيهِ إِثْبَاتُ التَّسْوِيَةِ، أَيْ لَيْسَ وَحْيُ اللَّهِ إِلَيْكَ إِلَّا عَلَى سُنَّةِ وَحْيِهِ إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، فَلَيْسَ وَحْيُهُ إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ بِأَوْضَحَ مِنْ وَحْيِهِ إِلَيْكَ.

وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنبيئين من بعده [النِّسَاء: ١٦٣] ، أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ إِنْ هُوَ إِلَّا مِثْلُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ، فَمَا إِعْرَاضُ قَوْمِهِ عَنْهُ إِلَّا كَإِعْرَاضِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ