للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٢١]

وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١)

حِكَايَةُ مُقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ عَنْوَنَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَعَنْوَنَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَقَالَاتِ السَّابِقَةِ بِ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْفرْقَان: ٤] وب الظَّالِمُونَ [الْفرْقَان: ٨] لِأَنَّ بَيْنَ هَذَا الْوَصْفِ وَبَين مقالتهم انْتِقَاض، فهم قد كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَطَلَبُوا رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَنُزُولَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَرَادُوا تَلَقِّيَ الدِّينِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنَ اللَّهِ مُبَاشَرَةً، فَكَانَ فِي حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ وَذِكْرِ وَصْفِهِمْ تَعْجِيبٌ مِنْ تَنَاقُضِ مَدَارِكِهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ شَهِدُوا أَنْفُسُهُمْ بِإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ شُبْهَتَهُمْ فِي إِنْكَارِهِ أَقْوَى حُجَّةٍ لَهُمْ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَيْضًا جَعَلَ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ طَرِيقًا لِتَعْرِيفِهِمْ بِالْمَوْصُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ [١٥] .

ولَوْلا حَرْفُ تَحْضِيضٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ وَالِاسْتِحَالَةِ، أَيْ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ فَنُؤْمِنُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، يَعْنُونَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيَسْأَلْ مِنْ رَبِّهِ وَسِيلَةً أُخْرَى لِإِبْلَاغِ الدِّينِ إِلَيْهِمْ.

وَمَعْنَى: لَا يَرْجُونَ لَا يَظُنُّونَ ظَنًّا قَرِيبًا، أَيْ يَعُدُّونَ لِقَاءَ اللَّهِ مُحَالًا. وَمَقْصِدُهُمْ مِنْ مَقَالِهِمْ أَنَّهُمْ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَتَلَقَّوُا الدِّينَ مِنْ رَجُلٍ مِثْلِهِمْ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً عَلَى مَعْنَى التَّعْجِيبِ مِنَ ازْدِهَائِهِمْ وَغُرُورِهِمُ الْبَاطِلِ.