وَ (أُمَّةً واحِدَةً) حَالٌ مِنْ أُمَّتُكُمْ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا أَفَادَتْهُ الْإِشَارَةُ الَّتِي هِيَ الْعَامِلُ فِي صَاحِبِ الْحَالِ. وَأَفَادَتِ التَّمْيِيزَ وَالتَّشْخِيصَ لِحَالِ الشَّرَائِعِ الَّتِي عَلَيْهَا الرُّسُلُ أَوِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَعْنَى كَوْنِهَا وَاحِدَةً أَنَّهَا تُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى فَلَيْسَ دُونَهُ إِلَهٌ. وَهَذَا حَالُ شَرَائِعِ التَّوْحِيدِ وَبِخِلَافِهَا أَدْيَانُ الشِّرْكِ فَإِنَّهَا لِتَعَدُّدِ آلِهَتِهَا تَتَشَعَّبُ إِلَى عِدَّةِ أَدْيَانٍ لِأَنَّ لِكُلِّ صَنَمٍ عِبَادَةً وَأَتْبَاعًا وَإِنْ كَانَ يَجْمَعُهَا وَصْفُ الشِّرْكِ فَذَلِكَ جِنْسٌ عَامٌّ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَأَنَا رَبُّكُمْ، أَيْ لَا غَيْرِي. وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي عَرَبِيَّةِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَفَادَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَا رَبُّكُمْ الْحَصْرَ، أَيْ أَنَا لَا غَيْرِي بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالْعَطْفِ عَلَى أُمَّةً واحِدَةً، إِذِ الْمَعْنَى: وَأَنَا رَبُّكُمْ رَبًّا وَاحِدًا، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ، أَيْ فَاعْبُدُونِ دُونَ غَيْرِي. وَهَذَا الْأَمْرُ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءُ حَالِ السَّامِعِينَ مِنْ أُمَمِ الرُّسُلِ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْعِبَادَةِ التَّوْحِيدُ بِالْعِبَادَةِ والمحافظة عَلَيْهَا.
[٩٣]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : آيَة ٩٣]
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الْأَنْبِيَاء: ٩٢] أَيْ أَعْرَضُوا عَنْ قَوْلِنَا. وتَقَطَّعُوا وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ عَائِدَةٌ إِلَى مَفْهُومٍ مِنَ الْمَقَامِ وَهُمُ الَّذِينَ مِنَ الشَّأْنِ التَّحَدُّثُ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَذَامِّ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. وَمِثْلُ هَذِهِ الضَّمَائِرِ الْمُرَادُ مِنْهَا الْمُشْرِكُونَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الضَّمَائِرُ عَائِدَةً إِلَى أُمَمِ الرُّسُلِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي ضَمَائِرِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [الْأَنْبِيَاء: ٩٢] يَكُونُ الْكَلَامُ انْتِقَالًا مِنَ الْحِكَايَةِ عَنِ الرُّسُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute