أَيْ: عَجِيبٌ إِقْدَامُهُ عَلَى مَوَاقِعِ الْهَلَاكِ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ تَغْمُرُ الَّذِينَ أَقْدَمُوا عَلَى تِلْكَ الْمَوَاقِعِ.
ومَنْ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ كَقَوْلِهِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [الْبَقَرَة: ١١٤] أَيْ: لَا أَظْلَمَ مِنْهُ، أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمَ مِنْهُ لِأَنَّهُ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِحِرْمَانِهَا مِنَ التَّأَمُّل فِيمَا فِيهِ نَفَعَهُ، وَظَلَمَ الْآيَاتِ بِتَعْطِيلِ نَفْعِهَا فِي بَعْضِ مَنْ أُرِيدَ انْتِفَاعُهُمْ بِهَا، وَظَلَمَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَكْذِيبِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَظَلَمَ حَقَّ رَبِّهِ إِذْ لَمْ يَمْتَثِلْ مَا أَرَادَ مِنْهُ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ تَفْظِيعِ ظُلْمِ الَّذِي ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا لِأَنَّ السَّامِعَ يَتَرَقَّبُ جَزَاءَ ذَلِكَ الظَّالِمِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُجْرِمِينَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ، عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ ضَمِيرِهِمْ لِزِيَادَةِ تَسْجِيلِ فَظَاعَةِ حَالِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُجْرِمُونَ مَعَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ أَعَمُّ مِنَ الظَّالِمين فَيكون دُخُولهمْ فِي الِانْتِقَامِ من الْمُجْرمين أخرويّا وَتَصِيرُ جُمْلَةُ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ تذييلا.
[٢٣]
[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ٢٣]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣)
لَمَّا جَرَى ذِكْرُ إِعْرَاضِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَهِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [السَّجْدَة: ٢٢] ، اسْتَطْرَدَ إِلَى تَسْلِيَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ هُوَ نَظِيرُ مَا لَقِيَهُ مُوسَى مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّسْلِيَةِ بِالتَّنْظِيرِ وَالتَّمْثِيلِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [السَّجْدَة: ٢٥] مُعْتَرِضَاتٌ. وَمَوْقِعُ التَّأْكِيدِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ هُوَ مَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَبَرُ مِنَ التَّسْلِيَةِ لَا لِأَصْلِ الْأَخْبَارِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْكِيدِ، وَبِهِ تَظْهَرُ رَشَاقَةُ الِاعْتِرَاضِ بِتَفْرِيعِ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute