وَالْأَفْوَاهُ: جمع فَم وَهُوَ بِوَزْنِ أَفْعَالٍ، لِأَنَّ أَصْلَ فَمٍ فَوَهٌ بِفَتْحَتَيْنِ بِوَزْنِ جَمَلٍ، أَوْ فِيهٍ بِوَزْنِ رِيحٍ، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ مِنْ آخِرِهِ لِثِقَلِهَا مَعَ قلَّة حُرُوف الْكَلِمَةِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ النَّاطِقُ حَرْفًا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ لِسَانُهُ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهَا حَرْفٌ ثَقِيلٌ وَهُوَ الْوَاوُ الْمُتَحَرِّكَةُ فَلَمَّا بَقِيَتِ الْكَلِمَةُ مَخْتُومَةً بِوَاوٍ مُتَحَرِّكَةٍ أُبْدِلَتْ أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ «فًا» وَلَا يَكُونُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا تَنْوِينٌ، فَأُبْدِلَتِ الْأَلِفُ الْمُنَوَّنَةُ بِحَرْفٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الْمِيمُ لِأَنَّهَا تُشَابِهُ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ لِأَنَّهُمَا شَفَهِيَّتَانِ فَصَارَ «فَمٌ» ، وَلَمَّا جَمَعُوهُ رَدُّوهُ إِلَى أَصْلِهِ.
وَجُمْلَةُ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسُنُ وَلَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ الْكَذِبُ، أَيْ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ خُرُوجَ الْكَذِبِ، فَمَا قَوْلُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا كَذِبٌ، أَيْ لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ إِلَّا صِفَةُ
الْكَذِبِ.
هَذَا إِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ يَقُولُونَ خُصُوصَ قَوْلِهِمُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْكَهْف: ٤] . وَلَكَ أَنْ تَحْمِلَ يَقُولُونَ عَلَى الْعُمُومِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، أَيْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ قَوْلٌ إِلَّا الْكَذِبُ، فَيَكُونُ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَيْ مَا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ، أَوْ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمُخَالِفِ لِمَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ فَتَكُونُ جُمْلَةُ إِنْ يَقُولُونَ تذييلا.
[٦]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ٦]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْكَهْف: ٤] بِاعْتِبَارِهِمْ مُكَذِّبِينَ كَافِرين بِقَرِينَة مُقَابلَة الْمُؤمنِينَ بهم فِي قَوْله: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ [الْكَهْف: ٢] ثمَّ قَوْله: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْكَهْف: ٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute