وَالضَّحِكُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرَحِ أَوْ أُرِيدَ ضَحِكُهُمْ فَرَحًا لِاعْتِقَادِهِمْ تَرْوِيجَ حِيلَتِهِمْ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَذِنَ لَهُمْ بِالتَّخَلُّفِ.
وَالْبُكَاءُ: كِنَايَةٌ عَنْ حُزْنِهِمْ فِي الْآخِرَةِ فَالْأَمْرُ بِالضَّحِكِ وَبِالْبُكَاءِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِحُصُولِهِمَا قَطْعًا إِذْ جُعِلَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَوْ هُوَ أَمْرُ تَكْوِينٍ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [الْبَقَرَة: ٢٤٣] وَالْمَعْنَى أَنَّ فَرَحَهُمْ زَائِلٌ وَأَنَّ بُكَاءَهُمْ دَائِمٌ.
وَالضَّحِكُ: كَيْفِيَّةٌ فِي الْفَمِ تَتَمَدَّدَ مِنْهَا الشَّفَتَانِ وَرُبَّمَا أَسْفَرَتَا عَنِ الْأَسْنَانِ وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ عِنْدَ السُّرُورِ وَالتَّعَجُّبِ مِنَ الْحُسْنِ.
وَالْبُكَاءُ: كَيْفِيَّةٌ فِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ تَنْقَبِضُ بِهَا الْوَجْنَتَانِ وَالْأَسَارِيرُ وَالْأَنْفُ. وَيَسِيلُ الدَّمْعُ مِنَ الْعَيْنَيْنِ، وَذَلِكَ يَعْرِضُ عِنْدَ الْحُزْنِ وَالْعَجْزِ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْغَلَبِ.
وَقَوْلُهُ: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِمْ، أَيْ جَزَاءً لَهُمْ، وَالْمَجْعُولُ جَزَاءً هُوَ الْبُكَاءُ الْمُعَاقِبُ لِلضَّحِكِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ سَلَبَ نِعْمَةً بِنِقْمَةٍ عَظِيمَةٍ.
وَمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ هُوَ أَعْمَالُ نِفَاقِهِمْ، وَاخْتِيرَ الْمَوْصُولُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ مَعَ الْإِيجَازِ.
وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ، وَصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي يَكْسِبُونَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ
كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[التَّوْبَة: ٧٠] .
[٨٣]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٣]
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)
الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا آذَنَ بِهِ قَوْلُهُ: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التَّوْبَة: ٨١] إِذْ فُرِّعَ عَلَى الْغَضَبِ عَلَيْهِمْ وَتَهْدِيدِهِمْ عِقَابٌ آخَرُ لَهُمْ، بِإِبْعَادِهِمْ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزَوَاتِهِمْ.
وَفِعْلُ رَجَعَ يَكُونُ قَاصِرًا ومتعدّيا مرادفا لأرجع. وَهُوَ هُنَا مُتَعَدٍّ، أَيْ أَرْجَعَكَ اللَّهُ.