النَّاسِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ مَعْنًى فِي خِلْقَتِهِ لِأَنَّ الْإِنْكَاسَ لَا يَكُونُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي أَطْوَارِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً [الْأَعْرَاف:
٦٩] أَيْ زَادَكُمْ قُوَّةً وَسَعَةً فِي الْأُمَمِ، أَيْ فِي الْأُمَمِ الْمُعَاصِرَةِ لَكُمْ، فَهُوَ وَعِيدٌ لَهُمْ وَوَعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَوُقُوعِهِمْ تَحْتَ نُفُوذِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذين كَانُوا رؤوسا لِلْمُشْرِكِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَارُوا فِي أَسْرِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي حُكْمِهِمْ يَوْمَ الْفَتْحِ فَكَانُوا يُدْعَوْنَ الطُّلَقَاءَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُنَكِّسْهُ بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَسُكُونِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّ الْكَافِ مُخَفَّفَةً وَهُوَ مُضَارِعُ نَكَسَ الْمُتَعَدِّي، يُقَالُ: نَكَسَ رَأْسَهُ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُشَدَّدَةً مُضَارِعُ نَكَّسَ الْمُضَاعَفِ.
وَفُرِّعَ عَلَى الْجُمَلِ الشَّرْطِيَّةِ الثَّلَاثِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا قَوْله: أَفَلا يَعْقِلُونَ اسْتِئْنَافًا إِنْكَارِيًّا لِعَدَمِ تَأَمُّلِهِمْ فِي عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ وَلَوْ شَاءَ لَمَسْخَهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْ نَصْرِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَاسُوا مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُشَاهَدَةِ لَهُمْ لَعَلِمُوا أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى مَسْخِهِمْ فَمَا دَونَهُ مِنْ إِنْزَالِ مَكْرُوهٍ بِهِمْ أَيْسَرُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى إِيجَادِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةِ الْمُتْقَنَةِ وَأَنَّهُ لَا حَائِلَ بَيْنَ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ بِمَسْخِهِمْ إِلَّا عَدَمُ إِرَادَتِهِ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا فَإِنَّ الْقُدْرَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَقْدُورَاتِ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَفَلَا تَعْقِلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ وَهُوَ خِطَابٌ لِلَّذِينِ وُجِّهَ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ [يس: ٦٦] الْآيَةَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْجُمَلَ الشّرطِيَّة لَا تَخْلُو مِنْ مُوَاجَهَةٍ بِالتَّعْرِيضِ لِلْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ فَكَانُوا أَحْرِيَاءَ أَنْ يَعْقِلُوا مَغْزَاهَا ويتفهموا مَعْنَاهَا.
[٦٩، ٧٠]
[سُورَة يس (٣٦) : الْآيَات ٦٩ إِلَى ٧٠]
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)
هَذِهِ الْآيَةُ تَرْجِعُ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ [يس: ٤٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute