وَالسُّلْطَانُ: الْحُجَّةُ الَّتِي يُصَدِّقُ بِهَا الْمُخَالِفُ، سُمِّيَتْ سُلْطَانًا لِأَنَّهَا تَتَسَلَّطُ عَلَى نَفْسِ الْمَعَارِضِ وَتُقْنِعُهُ، وَنَفَى أَنَ تَكُونَ الْحُجَّةُ مُنَزَّلَةً مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْحُجَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُخْبَرًا بِهَا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ أُمُورَ الْغَيْبِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. وَأَعْظَمُ الْمُغَيَّبَاتِ ثُبُوت الإلهيّة لأنّها قَدْ يَقْصِرُ الْعَمَلُ عَنْ إِدْرَاكِهَا فَمِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُتَلَقَّى مِنْ قِبَلِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْله: فَانْتَظِرُوا لِتَفْرِيعِ هَذَا الْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ السَّابِقِ، لِأَنَّ وُقُوعَ الْغَضَبِ وَالرِّجْسِ عَلَيْهِمْ، وَمُكَابَرَتَهُمْ وَاحْتِجَاجَهُمْ لِمَا لَا حُجَّةَ لَهُ، يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ التَّهْدِيدُ بِانْتِظَارِ الْعَذَابِ.
وَصِيغَةُ الْأَمْرِ لِلتَّهْدِيدِ مِثْلُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] . وَالِانْتِظَارُ افْتِعَالٌ مِنَ النَّظَرِ بِمَعْنَى التَّرَقُّبِ، كَأَنَّ الْمُخَاطَبَ أُمِرَ بِالتَّرَقُّبِ فَارْتَقَبَ.
ومفعول: فَانْتَظِرُوا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَيْ فَانْتَظَرُوا عِقَابًا.
وَقَوْلُهُ: إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ استيناف بَيَانِيٌّ لِأَنَّ تَهْدِيدَهُ إِيَّاهُمْ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نُفُوسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: إِذَا كُنَّا نَنْتَظِرُ الْعَذَابَ فَمَاذَا يَكُونُ حَالُكَ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَعَهُمْ، وَهَذَا مَقَامُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى
كَقَوْلِهِ تَعَالَى تَلْقِينًا لرَسُوله محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ»
فَهُودٌ يَخَافُ أَنْ يَشْمَلَهُ الْعَذَابُ النَّازِلُ بِقَوْمِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا
فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ» قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «ثُمَّ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»
وَيَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَيَرَاهُ هُودٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُصِيبُهُ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي قِصَّتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُبْعِدَهُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا فِي قِصَّتِهِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِمُبَارَحَةِ دِيَارِ قَوْمِهِ قَبْلَ نزُول الْعَذَاب:
[٧٢]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٧٢]
فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ