بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
٣١- سُورَةُ لُقْمَانَ
سَمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِإِضَافَتِهَا إِلَى لُقْمَانَ لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ لُقْمَانَ وَحِكْمَتِهِ وَجُمَلًا مِنْ حِكْمَتِهِ الَّتِي أَدَّبَ بِهَا ابْنَهُ. وَلَيْسَ لَهَا اسْمٌ غَيْرَ هَذَا الِاسْمِ، وَبِهَذَا الِاسْمِ عُرِفَتْ بَيْنَ الْقُرَّاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِهِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي «دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ لُقْمَانَ بِمَكَّةَ. وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ وَعَلَيْهِ إِطْلَاقُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ النَّحَاسِ اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إِلَى قَوْلِهِ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [لُقْمَان: ٢٧- ٢٩] . وَعَنْ قَتَادَةَ إِلَّا آيَتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لُقْمَان: ٢٨] . وَفِي «تَفْسِيرِ الْكَوَاشِيِّ» حِكَايَةُ قَوْلِ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ عَدَا آيَةً نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لُقْمَان: ٤] قَائِلًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَرَدَّهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ بِأَنَّ فَرْضَهَا بِالْمَدِينَةِ لَا يُنَافِي تَشْرِيعَهَا بِمَكَّةَ عَلَى غير إِيجَاب. والمحققون يَمْنَعُونَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة ففرضتا بِالْمَدِينَةِ فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهَا فُرِضَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ دُونَ تَعْيِينِ أَنْصِبَاءٍ وَمَقَادِيرَ، ثُمَّ عُيِّنَتِ الْأَنْصِبَاءُ وَالْمَقَادِيرُ بِالْمَدِينَةِ.
وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا بِأَن الْقَائِلَ بِأَنَّ آيَةَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ إِلَى آخِرِهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَهُ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ وَلَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إِلَخْ. ثُمَّ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يكون صدر السُّورَة النَّازِلِ بِمَكَّةَ هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ [لُقْمَان:
٣] أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [لُقْمَان: ٥] إِلَخْ ثُمَّ أَلْحَقَ بِهِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لُقْمَان: ٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute