تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الذُّهُولُ ثُمَّ النِّسْيَانُ فَضَعُفَ حَتَّى صَارَ شَكًّا لِانْحِجَابِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَرْسُخُ بِهَا فِي النَّفْسِ، أَيْ هُمْ شَاكُّونَ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْإِتْيَانُ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ تَمَكُّنِ الشَّكِّ مِنْ نُفُوسِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُ ظَرْفٌ مُحِيطٌ بِهِمْ لَا يَجِدُونَ عَنْهُ مَخْرَجًا، أَيْ لَا يُفَارِقُهُمُ الشَّكُّ، فَالظَّرْفِيَّةُ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ مِثْلُ الِاسْتِعْلَاءِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .
وَجُمْلَةُ يَلْعَبُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ هُمْ أَيِ اشْتَغَلُوا عَنِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُزِيلُ الشَّكَّ عَنْهُمْ وَتَجْعَلُهُمْ مُهْتَدِينَ، بِالْهُزْءِ وَاللَّعِبِ فِي تَلَقِّي دَعْوَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّ انْغِمَاسَهُمْ فِي الشَّكِّ مُقَارِنًا لِحَالِهِمْ مِنَ اللَّعِبِ، وَلِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ إِذْ بِهَا أُفِيدَ أَنَّ الشَّكَّ حَامِلٌ لَهُمْ عَلَى الْهُزْءِ وَاللَّعِبِ، وَأَنَّ الشُّغْلَ بِاللَّعِبِ يَزِيدُ الشَّكَّ فِيهِمْ رُسُوخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ وَلعب، فتفطّن.
[١٠، ١١]
[سُورَة الدُّخان (٤٤) : الْآيَات ١٠ إِلَى ١١]
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدُّخان: ٩] قُصِدَ مِنْهُ وعد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْتِقَامِ اللَّهِ مِنْ مُكَذِّبِيهِ، وَوَعِيدُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى جُحُودِهِمْ بِدَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَصِدْقِ الرَّسُولِ وُعُكُوفِهِمْ عَلَى اللَّعِبِ، أَيِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ، وَذَكَرَ لَهُ مُخَوِّفَاتٍ لِلْمُشْرِكِينَ لِإِعْدَادِهِمْ لِلْإِيمَانِ وَبَطْشَةُ انتقام من أئمتهم تَسْتَأْصِلُهُمْ.
فالخطاب فِي فَارْتَقِبْ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّثْبِيتِ. وَالِارْتِقَابُ: افْتِعَالٌ مِنْ رَقَبَهُ، إِذَا انْتَظَرَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِانْتِظَارُ عِنْدَ قُرْبِ حُصُولِ الشَّيْءِ الْمُنْتَظَرِ. وَفِعْلُ (ارْتَقِبْ) يَقْتَضِي بِصَرِيحِهِ أَنَّ إِتْيَانَ السَّمَاءِ بِدُخَانٍ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيَقْتَضِي كِنَايَةً عَنِ اقْتِرَابِ وُقُوعِهِ كَمَا يَرْتَقِبُ الْجَائِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ.
ويَوْمَ اسْمُ زَمَانٍ مَنْصُوبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِ (ارْتَقِبْ) وَلَيْسَ ظَرْفًا وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَخافُونَ يَوْماً [النُّور: ٣٧] ، وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ لِتَمْيِيزِ الْيَوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute