للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا يَجْرِي عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ يُقاتَلُونَ وَالتَّفْسِيرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنْسَبَ وَأَرْشَقَ.

وَجُمْلَةُ وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ أَيْ أُذِنَ لَهُمْ بِذَلِكَ وَذُكِّرُوا بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُمْ. وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وَارِدٌ عَلَى سُنَنِ كَلَامِ الْعَظِيمِ الْمُقْتَدِرِ بِإِيرَادِ الْوَعْدِ فِي صُورَةِ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِمَحَلِّ الْعِلْمِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، كَقَوْلِهِمْ: عَسَى أَنْ يَكُونَ كَذَا، أَوْ أَنَّ عِنْدَنَا خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمُتَرَقِّبِ شَكٌّ فِي الْفَوْزِ بِمَطْلُوبِهِ.

وَتَوْكِيدُ هَذَا الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِتَحْقِيقِهِ أَوْ تَعْرِيضٌ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اسْتَبْطَأُوا النَّصْرَ.

[٤٠]

[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٤٠]

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ

بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ [الْحَج: ٣٩] ، وَفِي إِجْرَاءِ هَذِهِ الصِّلَةِ عَلَيْهِمْ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَاتَلَةِ الْأَذَى، وَأَعْظَمُهُ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [الْبَقَرَة: ١٩١] .

وبِغَيْرِ حَقٍّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أُخْرِجُوا، أَيْ أُخْرِجُوا مُتَلَبِّسِينَ بِعَدَمِ الْحَقِّ عَلَيْهِمُ

الْمُوجِبِ إِخْرَاجَهُمْ، فَإِنَّ لِلْمَرْءِ حَقًّا فِي وَطَنِهِ وَمُعَاشَرَةِ قَوْمِهِ، وَهَذَا الْحَقُّ ثَابِتٌ بِالْفِطْرَةِ لِأَنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ أَنَّ النَّاشِئَ فِي أَرْضٍ وَالْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ قَوْمٍ هُوَ مُسَاوٍ لِجَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ فِي حَقِّ الْقَرَارِ فِي وَطَنِهِمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِمْ بِالْوَجْهِ الَّذِي ثَبَتَ لِجُمْهُورِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ نَشْأَةٍ مُتَقَادِمَةٍ أَوْ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ لِسُكَّانِهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ