للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى مَا كَانَتْ أَصَابَتْهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ الَّتِي عَرَضَتْ لَهَا فِي مَرْآِنَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ فِي هَذِهِ الْأَجْسَادِ الَّتِي نَرَاهَا، وَقَدْ عَمُوا عَمَّا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ مِنْ سُؤَالٍ عَنْ سَبَبِ إِيدَاعِ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ فِي الْأَجْسَادِ الْمُيَسَّرَةِ لِلصَّالِحَاتِ وَالْعَكْسِ فَبِئْسَ مَا يفترون.

فَقَوله: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَضمير يَعْفُوا عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ [الشورى: ٢٩] . وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى مَا يَتَرَاءَى لَنَا مِنْ تَخَلُّفِ إِصَابَةِ الْمُصِيبَةِ عَنْ بَعْضِ الَّذِينَ كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ جَرَائِمَ، وَمِنْ ضِدِّ ذَلِكَ مِمَّا تُصِيبُ الْمَصَائِبُ بَعْضَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَهُوَ إِجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ أَحْوَالِ عِبَادَهِ وَمَا تَغَلَّبَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ مِنْ إِمْهَالِ بَعْضِ عِبَادِهِ أَوْ مِنِ ابْتِلَاءِ بَعْضِ الْمُقَرَّبِينَ، وَتِلْكَ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ وَأَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ تَتَعَارَضُ وَتَتَسَاقَطُ وَالْمُوَفَّقُ يَبْحَثُ عَنِ الْأَسْبَابِ فَإِنْ أَعْجَزَتْهُ فَوَّضَ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو، أَيْ يَصْفَحُ فَلَا يُصِيبُ كَثِيرًا مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا جَزَاءَ السُّوءِ بِعُقُوبَاتٍ دُنْيَوِيَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِهِمْ. فَالْمُرَادُ هُنَا: الْعَفْوُ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الدُّنْيَا وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِجَزَاءِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ فِيهِ أَدِلَّةً أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وكَثِيرٍ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ عَنْ خَلْقٍ أَو نَاس.

[٣١]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٣١]

وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١)

عَطْفٌ على جملَة وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠] ، وَهُوَ احْتِرَاسٌ، أَيْ يَعْفُو عَنْ قُدْرَةٍ فَإِنَّكُمْ لَا تُعْجِزُونَهُ وَلَا تَغْلِبُونَهُ وَلَكِنْ يَعْفُو تَفَضُّلًا.

وَالْمُعْجِزُ: الْغَالِبُ غَيْرَهُ بِانْفِلَاتِهِ مِنْ قَبْضَتِهِ. وَالْمَعْنَى: مَا أَنْتُمْ بِفَالِتِينَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ.

وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ.