مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَكَذَلِكَ مَعْنَى إِنَّكُمْ عائِدُونَ، أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَاسْمُ الْفَاعِلِ يَكُونُ مُرَادًا بِهِ الْحُصُولُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَرِينَةِ. رُوِيَ أَنَّهُمْ كُشِفَ عَنْهُمُ الْقَحْطُ بَعْدَ اسْتِسْقَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَيَوْا وَحَيِيَتْ أَنْعَامُهُمْ ثُمَّ عَادُوا فَعَاوَدَهُمُ الْقَحْطُ كَمَالَ سَبْعِ سِنِينَ، وَلَعَلَّهَا عَقِبَهَا فَتْحُ مَكَّةَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ عائِدُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا تَطَلَّعُوا إِلَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَ كَشْفِهِ، وَتَطَلَّعَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى مَا تَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ كَشْفِ الْعَذَابِ هَلْ يُقْلِعُونَ عَنِ الطَّعْنِ فَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّكُمْ عائِدُونَ مُبَيِّنًا لما يتساءلون همخ.
[١٦]
[سُورَة الدُّخان (٤٤) : آيَة ١٦]
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)
هَذَا هُوَ الِانْتِقَامُ الَّذِي وُعِدَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُوُعِّدَ بِهِ أَيِمَّةُ الْكُفْرِ. وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [الدُّخان: ١٥] فَإِنَّ السَّامِعَ يُثَارُ فِي نَفْسِهِ سُؤَالٌ عَنْ جَزَائِهِمْ حَيْثُ يَعُودُونَ إِلَى التَّوَلِّي وَالطَّعْنِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ
الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ هُوَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَهِيَ الِانْتِقَامُ التَّامُّ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّطَلُّعِ وَالتَّسَاؤُلِ أُكِّدَا بِخَبَرٍ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ دَفْعًا لِلتَّرَدُّدِ.
وَأَصْلُ تَرْكِيبِ الْجُمْلَةِ: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى، فَ يَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ لِاسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُنْتَقِمُونَ.
وَتَقَدَّمَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِتَهْوِيلِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الظَّرْفِ خَبَرٌ عَنْ (إِنَّ) بِنَاءً عَلَى الشَّائِعِ مِنْ كَلَامِ النُّحَاةِ أَنَّ مَا بَعْدَ (إِنَّ) لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا فَإِنَّ الظُّرُوفَ وَنَحْوَهَا يُتَوَسَّعُ فِيهَا.
والْبَطْشَةَ الْكُبْرى: هِيَ بَطْشَةُ يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّ مَا أَصَابَ صَنَادِيدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ كَانَ بَطْشَةً بِالشِّرْكِ وَأَهْلِهِ لِأَنَّهُمْ فَقَدُوا سَادَتَهُمْ وَذَوِي الرَّأْيِ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُسَيِّرُونَ أَهْلَ مَكَّةَ كَمَا يُرِيدُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute