للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ عَنْ قَتَادَةَ وَسُفْيَانَ. وَمَتَى حُمِلَ أَحَدُ الْمَوْصُولَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَجَبَ تَقْدِيرُ مُضَافَيْنِ قَبْلَ مَا الْمَوْصُولَةِ هُمَا الْمَفْعُولُ، أَيِ اتَّقُوا مِثْلَ أَحْوَالِ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُم، أَو مثل أَحْوَالِ مَا خَلْفَكُمْ، وَلَا يُقَدَّرُ مُضَافَانِ فِي مُقَابَلَهِ لِأَن مَا صدق مَا الْمَوْصُولَةِ فِيهِ حِينَئِذٍ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ فَهُوَ مَفْعُولُ اتَّقُوا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها فِي سُورَة الْبَقَرَة [٦٦] .

و (لعلّ) لِلرَّجَاءِ، أَيْ تُرْجَى لَكُمْ رَحْمَةُ اللَّهِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا اتَّقَوْا حَذِرُوا مَا يُوقِعُ فِي الْمُتَّقَى فَارْتَكَبُوا وَاجْتَنَبُوا وَبَادَرُوا بِالتَّوْبَةِ فِيمَا فَرَطَ فَرَضِيَ رَبُّهُمْ عَنْهُمْ فَرَحِمَهُمْ بِالثَّوَابِ وَجَنَّبَهُمُ الْعِقَابَ. وَالْكَلَامُ فِي (لَعَلَّ) الْوَارِدَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١] .

وَجَوَابُ إِذا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. فَالتَّقْدِيرُ هُنَا: كَانُوا مُعْرِضِينَ.

وَجُمْلَةُ مَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ لِمَا قَبْلَهَا، فَفِيهَا تَعْمِيمُ أَحْوَالِهِمْ وَأَحْوَالِ مَا يَبَلَّغُونَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا أَعْرَضُوا، وَالْإِعْرَاضُ دَأْبُهُمْ فِي كُلِّ مَا يُقَالُ لَهُمْ.

وَالْآيَاتُ: آيَاتُ الْقُرْآنِ الَّتِي تَنْزِلُ فَيَقْرَؤُهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَأُطْلِقَ عَلَى بُلُوغِهَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْإِتْيَانِ وَوَصْفُهَا بِأَنَّهَا مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ لِلتَّنْوِيهِ بِالْآيَاتِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ كَلَامِ رَبِّهِمْ كُفْرًا بِنِعْمَةِ خَلْقِهِ إِيَّاهُمْ.

وَمَا نَافِيَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَحْوَالٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ مَا تَأْتِيهِمْ آيَةٌ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ. وَجُمْلَةُ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ فِي مَوضِع الْحَال.

[٤٧]

[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٤٧]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧)

كَانُوا مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ يَشِحُّونَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَيَمْنَعُونَهُمُ الْبَذْلَ تَشَفِّيًا مِنْهُمْ فَإِذَا سَمِعُوا مِنَ الْقُرْآنِ مَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ سَأَلَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ