للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَلْبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِيءُ كَمَا يَجِيءُ فِعْلُ الرُّؤْيَةِ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ بِالِاسْتِفْهَامِ، أَيْ تَأَمَّلْ جَوَابَ قَوْلِ الْقَائِلِ: «كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» تَجِدُهُ جَوَابًا وَاضِحًا بَيِّنًا.

وَلِأَجْلِ هَذَا التَّحَقُّقِ مِنْ خَبَرِ حَشْرِهِمْ عَبَّرَ عَنْ كَذِبِهِمُ الَّذِي يَحْصُلُ يَوْمَ الْحَشْرِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ.

وَفِعْلُ (كَذَبَ) يُعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) إِلَى مَنْ يُخْبِرُ عَنْهُ الْكَاذِبُ كَذِبًا مِثْلَ تَعْدِيَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ،

وَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُعْتَمِدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ

، وَأَمَّا تَعْدِيَتُهُ إِلَى مَنْ يُخْبِرُهُ الْكَاذِبُ خَبَرًا كَذِبًا فَبِنَفْسِهِ، يُقَالُ: كَذَبَكَ، إِذَا أَخْبَرَكَ بِكَذِبٍ.

وَضَلَّ بِمَعْنَى غَابَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ [السَّجْدَة: ١٠] ، أَيْ غُيِّبْنَا فِيهَا بِالدَّفْنِ. وَمَا مَوْصُولَةٌ ويَفْتَرُونَ صِلَتُهَا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ يَخْتَلِقُونَهُ وَمَا صَدَّقَ ذَلِكَ هُوَ شُرَكَاؤُهُمْ. وَالْمُرَادُ: غَيْبَةُ شَفَاعَتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَأْمُولُ مِنْهُمْ فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نَزَّلَ حُضُورَهُمْ مَنْزِلَةَ الْغَيْبَةِ، كَمَا يُقَالُ: أُخِذْتَ وَغَابَ نَصِيرُكَ، وَهُوَ حَاضر.

[٢٥]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٢٥]

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥)

عَطَفَ جُمْلَةً ابْتِدَائِيَّةً عَلَى الْجُمَلِ الِابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ خَسِرُوا

أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

[الْأَنْعَام: ٢٠] .

وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِمن التَّبْعِيضِيَّةِ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ الْحَدِيثُ مَعَهُمْ وَعَنْهُمُ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الْأَنْعَام: ١] ، أَيْ وَمِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ. وَقَدِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى أَحْوَالِ خَاصَّةِ عقلائهم الَّذين يربأون بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ أَنْ يُقَابِلُوا دَعْوَةَ