للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (إِذا) حَرْفُ مُفَاجَأَةٍ، أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بعده حصل عَن غَيْرِ تَرَقُّبٍ فَتُفْتَتَحُ بِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي يُفَادُ مِنْهَا حُصُولُ حَادِثٍ عَلَى وَجْهِ الْمُفَاجَأَةِ. وَوَقَعَتِ الْجُمْلَةُ الَّتِي فِيهَا إِذا جَوَابًا لِحَرْفِ (لَمَّا) ، وَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَ (لَمَّا) تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، لِأَنَّ مَا فِي إِذا مِنْ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ.

وَالضَّحِكُ: كِنَايَةً عَنِ الِاسْتِخْفَافِ بِالْآيَاتِ وَالتَّكْذِيبِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْحَاضِرِينَ صَدَرَ مِنْهُمْ ضَحِكٌ، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عِنْدَ رُؤْيَةِ آيَةٍ إِذْ لَعَلَّ بَعْضَهَا لَا يَقْتَضِي الضَّحِكَ.

[٤٨]

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٤٨]

وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨)

الْأَظْهَرُ أَنَّ جُمْلَةَ وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَأَنَّ الْوَاوَ وَاوُ الْحَالِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَحْوَالٍ، وَمَا بَعْدَ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ،

وَاسْتَغْنَتْ عَنِ الْوَاوِ لِأَنَّ إِلَّا كَافِيَةٌ فِي الرَّبْطِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى فِي حَالِ أَنَّهَا آيَاتٌ كَبِيرَةٌ عَظِيمَة فَإِنَّمَا يَسْتَخِفُّونَ بِهَا لِمُكَابَرَتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.

وَصَوْغُ نُرِيهِمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ. وَمَعْنَى هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تَأْتِي تَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، فَيَكُونُ هُنَالِكَ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ، أَيْ مِنْ أُخْتِهَا السَّابِقَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الْكَهْف: ٧٩] ، أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْآيَاتُ مُتَرَتِّبَةً فِي الْعِظَمِ بِحَسَبِ تَأَخُّرِ أَوْقَاتِ ظُهُورِهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِآيَةٍ بعد أُخْرَى ناشىء عَنْ عَدَمِ الِارْتِدَاعِ مِنَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ.

وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْآيَاتِ مَوْصُوفَاتٌ بِالْكِبَرِ لَا بِكَوْنِهَا مُتَفَاوِتَةً فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَادَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَلَاقَى فِي الْفَضْلِ وَتَتَفَاوَتُ مَنَازِلُهَا فِيهِ