أَيْ أَتْرُكُ لَكُمُ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا فَقَالُوا: «مَا لَنَا طَاقَةٌ بِحَرْبِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّا نُصَالِحُكَ عَلَى أَلَّا تَغْزُوَنَا وَلَا تُخِيفَنَا وَلَا تَرُدَّنَا عَنْ دِينِنَا (١) عَلَى أَنْ نُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كُلَّ عَامٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَلْفًا فِي صَفَرٍ وَأَلْفًا فِي رَجَبٍ وَثَلَاثِينَ دِرْعًا عَادِيَّةً مِنْ حَدِيدٍ»
وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلًا أَمِينًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَى طَلَبِ أَمِينٍ وَلَا عَلَى مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا أَبُو عُبَيْدَة بَينهم.
[٦٤]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٦٤]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
رُجُوعٌ إِلَى الْمُجَادَلَةِ، بَعْدَ انْقِطَاعِهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، بَعَثَ عَلَيْهِ الْحِرْصُ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَإِشَارَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ زَيْغِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عَنْ حَقِيقَةِ إِسْلَامِ الْوَجْهِ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَقَدْ جِيءَ فِي هَذِهِ الْمُجَادَلَةِ بِحُجَّةٍ لَا يَجِدُونَ عَنْهَا موئلا وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إِلَى تَخْصِيصِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَنَبْذِ عَقِيدَةِ إِشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ. فَجُمْلَةُ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِجُمْلَةِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا [آل عمرَان: ٦١] لِأَنَّ مَدْلُولَ الْأُولَى احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِضِعْفِ ثِقَتِهِمْ بِأَحَقِّيَّةِ اعْتِقَادِهِمْ. وَمَدْلُولَ هَذِهِ احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِصِحَّةِ عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ. وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا النَّصَارَى: لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْمَخْلُوقَ رَبًّا وَعَبَدُوهُ مَعَ اللَّهِ.
وَتَعَالَوْا هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي طَلَبِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ وَهُوَ تَمْثِيلٌ: جُعِلَتِ الْكَلِمَةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا بِشِبْهِ الْمَكَانِ الْمُرَادِ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَهُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (تَعَالَوْا) قَرِيبًا.
وَالْكَلِمَةُ هُنَا أُطْلِقَتْ عَلَى الْكَلَامِ الْوَجِيزِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٠] .
(١) أَي بِالْإِكْرَاهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute