للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٠٦]

مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)

لَمَّا سَبَقَ التَّحْذِيرُ مِنْ نَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَاهَدُوهُ، وَأَنْ لَا يَغُرَّهُمْ مَا لِأُمَّةِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ السَّعَةِ وَالرُّبُوِّ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ زَلَلِ الْقَدَمِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَبُشِّرُوا بِالْوَعْدِ بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ، وَجَزَاءُ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَأَنْ لَا تَغُرَّهُمْ شُبَهُ الْمُشْرِكِينَ وَفُتُونُهُمْ فِي تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ، عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَالْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ.

وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُحَاوِلُونَ فِتْنَةَ الرَّاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا، فَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ إِلَى قَوْلِهِ: لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا [سُورَة النَّحْل: ١٠٢] ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [سُورَة النَّحْل: ١٠٣] فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ [سُورَة النَّحْل: ١٠٣] . وَكَانَ الْغُلَامُ الَّذِي عَنَوْهُ بِقَوْلِهِمْ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ فَتَنَهُ الْمُشْرِكُونَ فَكَفَرَ، وَهُوَ جَبْرٌ مَوْلَى

عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. وَكَانُوا رَاوَدُوا نَفَرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الِارْتِدَادِ، مِنْهُمْ: بِلَالٌ، وَخِبَابُ بْنُ الْأَرَتِّ، وَيَاسِرٌ، وَسُمَيَّةُ أَبَوَا عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَمَّارُ ابْنُهُمَا، فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفَتَنُوا عَمَّارًا فَأَظْهَرَ لَهُمُ الْكُفْرَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ. وَفَتَنُوا نَفَرًا آخَرِينَ فَكَفَرُوا، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الْحَارِثَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [١٠] ، فَكَانَ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ رَدٌّ لِعَجُزِ الْكَلَامِ عَلَى صَدْرِهِ.