[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٧٥]
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ.
عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّتِي عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر: ٦٨] إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ حَفُّ الْمَلَائِكَةِ حَوْلَ الْعَرْشِ.
وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ إِيذَانًا بِأَنَّهَا رُؤْيَةُ دُنُوٍّ مِنَ الْعَرْشِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَذَلِكَ تَكْرِيمٌ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ حَوَاهُ مَوْكِبُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ.
وَالْحَفُّ: الْإِحْدَاقُ بِالشَّيْءِ وَالْكَوْنُ بِجَوَانِبِهِ.
وَجُمْلَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ حَالٌ، أَيْ يَقُولُونَ أَقْوَالًا تَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ مُلَابَسَةً لِحَمْدِهِمْ إِيَّاهُ. فَالْبَاءُ فِي بِحَمْدِ رَبِّهِمْ لِلْمُلَابَسَةِ تَتَعَلَّقُ بِ يُسَبِّحُونَ.
وَفِي اسْتِحْضَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَصْفِ رَبِّهِمْ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ قُرْبَهُمْ مِنَ الْعَرْشِ تَرْفِيعٌ فِي مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُلَازِمَةِ لِلْخَلَائِقِ.
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ.
تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الزمر: ٦٩] الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِجُمْلَةِ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ [الزمر: ٧٤] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ قَوْلٍ آخَرَ لِقَائِلِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمَسُوقِينَ إِلَى الْجَنَّةِ مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَهَذَا قَوْلُهُمْ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى عَدْلِ قَضَائِهِ وَجَمِيعِ صِفَاتِ كَمَالِهِ.