وَلِهَذَا ذُيِّلَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لِأَنَّهُمْ إِذَا تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلًا حَقًّا بِأَنِ اسْتَفْرَغُوا وُسْعَهُمْ فِي التَّحَرُّزِ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَاسْتَعَانُوا بِاللَّهِ عَلَى تَيْسِيرِ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهُمْ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطَّلَاق: ٣] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمُومُ شَيْئاً مُرَادًا بِهِ الْخُصُوصُ، أَيْ لَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا مِمَّا يُوهِمُهُ تَنَاجِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَزِيمَةٍ أَوْ قَتْلٍ إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ حُصُولَ هَزِيمَةٍ أَوْ قَتْلٍ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ التَّنَاجِيَ يُوهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَيْسَ وَاقِعًا فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنْ لَا يَحْزَنُوا بِالنَّجْوَى لِأَنَّ الْأُمُورَ تَجْرِي عَلَى مَا قَدَّرَهُ الله فِي نفس الْآمِرِ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْأَخْبَارُ الصَّادِقَةُ.
وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِمَدْلُولِ هَذَا الْمُتَعَلّق.
[١١]
[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ١١]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)
فَصَلَ بَيْنَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّجْوَى بِهَذِهِ الْآيَةِ مُرَاعَاةً لِاتِّحَادِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَ مَضْمُونِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَضْمُونِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي أَنَّهُمَا يَجْمَعُهُمَا غَرَضُ التَّأَدُّبِ مَعَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتلك الْمُرَاعَاةُ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ اتِّحَادِ سِيَاقِ الْأَحْكَامِ.
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَبٌ فِي مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَدَبِ فِي مُنَاجَاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرت تِلْكَ عَنْ آيَاتِ النَّجْوَى الْعَامَّةِ إِيذَانًا بِفَضْلِهَا دُونَ النَّجْوَى الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْآيَاتُ السَّابِقَةُ، فَاتِّحَادُ الْجِنْسِ فِي النَّجْوَى هُوَ مُسَوِّغُ الِانْتِقَالِ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ إِلَى النَّوْعِ الثَّانِي، وَالْإِيمَاءُ إِلَى تَمَيُّزِهَا بِالْفَضْلِ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى الْفَصْلَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بِآيَةِ أَدَبِ الْمَجْلِسِ النَّبَوِيِّ.
وَأَيْضًا قَدْ كَانَ لِلْمُنَافِقِينَ نِيَّةُ مَكْرٍ فِي قَضِيَّةِ الْمَجْلِسِ كَمَا كَانَ لَهُمْ نِيَّةُ مَكْرٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute